تاريخ النشر: 01/01/1993
الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات
نبذة نيل وفرات:إذا عصيت الله بموضع فلا تبرح من ذلك الموضع حتى تعمل فيه طاعة وتقيم فيه عبادة، فكما يشهد عليك إذا استشهد يشهد لك وحينئذ تنتزح عنه، وكذلك ثوبك إن عصيب الله فيه فكن كما ذكرته لك أعبد الله فيه، وكذلك ما يفارقك منك من قص شارب وحلق عانة ...وقص أظفار وتسريح شعر وتنقية وسخ، لا يفارقك شيء من ذلك من بدنك إلا وأنت على طهارة وذكر الله تعالى عز وجل فإنه يسأل عنه كيف تركك، وأقل عبادة تقدر عليها عند هذا كله أن تدعو الله في أن يتوب عليك عن أمره تعالى، حتى تكون مؤدياً واجباً في إمتثالك أمر الله وهو قوله: "وقال ربكم أدعوني أستجب لكم" فأمرك أن تدعوه، ثم قال في هذه الآية: "إن الذين يستكبرون عن عبادتي" يعني هنا بالعبادة الدعاء أي: من يستكبر عن الذلة والمسكنة، فإن الدعاء سماه عبادةً والعبادة ذلة وخضوع ومسكنة "سيدخلون جهنم داخرين" أي أذلاء، فإذا فعلوا ما أمروا به جازهم الله بدخول الجنة أعزاء.
ولقد دخلت يوماً الحمام لغسل طرأ عليّ سحراً فلقيت فيه نجم الدين أبا المعالي بن اللهيب -وكان صاحبي- فاستدعى بالحلاق يحلق رأسه فصحت به يا أبا المعالي فقال لي من فوره قبل أن أتكلم: إني على طهارة فقد فهمت عنك ، فتعجبت من حضوره وسرعة فهمه ومراعاته للموطن وقرائن الأحوال وما يعرفه مني في ذلك، فقلت له: بارك الله فيك والله ما صحب بك إلا لتكون على طهارة وذكر عند مفارقة شعرك، فدعا لي ثم حلق رأسه.
ومثل هذا قد أغفله الناس بل يقولون: إذا عصيت الله في موضع فتحول عنه لأنهم يخافون عليك أن تذكرك البقعة بالمعصية فتستحليها فتزيد ذنباً إلى ذنب، فما ذكروا ذلك إلا شفقة ولكن فاتهم علم كبير فأطلع الله فيه وحينئذ تتحول عنه فتجمع بين ما قالوه وبين ما أوصيتك به. وكلما ذكرت خطيئة أتيتها فتب عقيب ذكرك إياها واستغفر الله منها.
واذكر الله عندها بحسب ما كانت تلك المعصية، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "أتبع السيئة الحسنة تمحها" وقال تعالى: "إن الحسنات يذهبن السيئات" ولكن ليكن لك ميزان في ذلك تعرف به مناسبات السيئات والحسنات التي تزنها.
تلك كانت الوصية الأولى من الوصايا 201 وصية من وصايا الشيخ الأكبر محي الدين ابن هربي التي تضمنها هذا الكتاب الذي يعتبر إمام الصوفية في عصره، بل حتى عصرنا الحاضر وهو الشيخ محي الدين محمد بن علي بن أحمد الحاتمي المعروف (بابن عربي) ولد في مدينة مرسية في الأندلس في 17 رمضان عام 650هـ. تلقى العلم عن علماء عصره في إشبيليه ثم ارتحل إلى المشرق العربي فزار دمشق والحجاز وأقام فيها مدة طويلة متعلماً ومعلماً. مذهبه الفقهي هو المذهب الظاهري. انتهى به المطاف في رحلاته العلمية إلى دمشق فأقام فيها وتوفي فيها سنة 638هـ ودفن فيها. إقرأ المزيد