تاريخ النشر: 01/01/1981
الناشر: الشركة العالمية للكتاب
نبذة نيل وفرات:طه حسين هو الأديب الذي فتح للأدب العربي آفاقاً عالمية، وهو المفكر الحر الذي ناضل بقلمه وعلمه وعمله من أجل رفع لواء الحرية الفكرية في مختلف مرافق الحياة الروحية، وهو الذي أدخل منهج النقد التاريخي الوثيق في دراسة الأدب الجاهلي، فزعزع المسلمات التقليدية الموروثة فيما يتصل به، وكشف ما ...فيه من انتحال، وعما لهذا الانتحال من دوافع وأسباب، وبهذا وضع للنقد الفيلولوجي الأساس المتين لكل دراسة في هذا الميدان. وهو الذي أنشأ أجمل ترجمة ذاتية عرفها الأدب العربي، ويندر أن نجد مثلها في الآداب العالمية: دقة تحليل، وصدق تعبير، وجمال بيان، وروعة تصوير، وهو الذي أسهم بأوفر قسط في إيجاد القصة العربية حتى استوت على النمط العالمي وهو الذي أضاء تاريخ صدر الإسلام بنظرات نافذة ولوامع وسوانح وضاءة لا تغني عنها معطيات الوثائق ولا السرد المقتصر على ما في الأسانيد. وهو الذي سعى إلى نشر التراث الكلاسيكي، واليوناني منه بخاصة، بين أبناء العربية حتى يكون عن ذلك إخصاب روحي جديد للعقل العربي إيذاناً ببعث روحي جديد، فكان صنيعه في هذا صنيع أرسموس بالنسبة للآداب الأوروبية في عصر النهضة الأوروبية، وذلك إما بالنقل أو التحليل، أو إنشاء الدراسات الكلاسيكية في الجامعات المصرية ثم السهر عليها ودفع كيد الجاهلين عنها. وهو قبل هذا كله الناقد الذي استطاع أن يرسم للأدب طريقه الصحيح وأن يتخذ سلماً للقيم جديداً سامقاً، وأن يوجه الأدب والنقد في الاتجاه الأصيل الخصب الحي الذي من شأنه أن يدفع الإنتاج الأدبي العربي في صدر الركب العالمي وأن يرفعه إلى المستوى الإنساني.
لقد كان أول تجارب طه حسين في الكتابة في ميدان الشعر، وأول قصيدة نشرها تعود إلى مطلع العام 1908، وهي في رثاء حسن عبد الرزاق باشا. أما آخر ما كتبه طه حسين في الصحافة فيعود، فيما يبدو إلى عام 1965 بوجه خاص، باستثناء كتابات زهيدة، متفرقة على السنوات التالية، وكتابا طه حسين الأخيران: "كلمات" و"خواطر" وهما يضمان مقالات سبق ظهورهما عموماً في جريدتي "الجمهورية" و"أخبار اليوم" وذلك بين السنوات 60-1965. وبين البداية والنهاية؛ أملى طه حسين جدولاً دفاقاً من الصفحات الحساسة، النبيهة، وشأن جميع الرواد كانت له إطلالات والتفاتات إلى أنواع أدبية وفكرية شتى، فهو أديب كبير لعب دوراً تأسيسياً وخصوصاً، إذا ما أخذنا في الحسبان أن طه حسين خضّ الأسلوب التقليدي وطرح على العربية نموذجاً له وقع وجرس ومزايا، وقد تبهت مع الزمن، مؤلفات طه الدراسية ويغيب منها الألق، ويتجاوزها الباحثون إلى مستويات أرقى وأرحب وأعمق، كما تقتضي سنة التطور، إلا أن أعماله الذاتية، نظير "الأيام"، والقصصية التاريخية، مثل "على هامش السيرة"، كما هناك كم هائل من مقالاته في هموم مختلفات، ستبقى جميعها مرآة متوهجة بالجمال والنبوغ، لقد أنزلها طه في إناء غدا قطعة زاهية من تراث، وألبسها حلّة مترفة صارت معلماً في الخزانة العربية.
وفي هذا الإنجاز الأسلوب، الذي يستطيع القارئ الاطلاع عليه من خلال أعماله الكاملة، يكمن مجد سابع لطه حسين. لم يبق لنا من عبد الحميد الكاتب سوى القليل من تراثه الضائع، ولكن هذا القليل من رسائله وتحميداته ينبئ بالكثير، وبقي عبد الحميد في خاطرنا وتاريخنا صاحب الأسلوب الفذ الذي انطرح أمام أعيننا عقب النثر القرآني الفريد. وطه، شأن عبد الحميد، صار محطة، وبخاصة أن طه بزغ والنثر العربي تشوبه الرطانة التركية، وتنيخ عليه أثقال بيانية انحطاطية، فكان لأسلوبه الذي طلع به من 1922 في حلقاته الدراسية والنقدية التي ضمّنها، فيما بعد، كتابه "حديث الأربعاء" الأثر اللافت والآسر.
إن أسلوب طه يتميز من حيث التركيب والبناء اللغوي، والمفردات المستقلة، والحبل المتوازية، بيد أنه ينحاز خصوصاً بالظاهرة النغمية، الناتجة لدى طه عن العالم الصوتي الذي عاش من خلال حياته وأدرك بواسطته العلم والدنيا والوجود، فانعكس هذا الأمر، الخاص بالمكفوفين، في تضاعيف أسلوبه الجذاب. كما تجلى أثر طه الأسلوبي في بعض المظاهر التركيبية التي تلقت بها العربية، بفضل المساهمة التجديدية لطه في تاريخ الأدب العربي الحديث. إقرأ المزيد