تاريخ النشر: 01/01/1983
الناشر: دار ومكتبة المعارف
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:ولد مصطفى كمال أتاتورك في الحي التركي بمدينة سالونيك اليونانية، التي كانت في ذلك التاريخ خاضعة للأتراك كإحدى مدنهم، وميلاد مصطفى كمال في هذه المدينة يثير شبهة في أصله، فقد كانت تقيم في سالونيك وما حولها، طائفة من المسلمين المنحدرين من أصل يهودي، تسمى طائفة (المتهودة)، وكان إسلام هذه ...الطائفة في رأي بعض علماء المسلمين، أنه غير متين فكثير من هذه الطائفة يميل إلى الأخذ بالفتاوى التي تترخص، فيما يرفضه الدين الحنيف.
وقد جرى في عروق مصطفى، منذ مولده، دماء أبيه علي رضا أفندي، الذي يتهم بأنه ينتسب إلى هذه الطائفة، في حين أن الدماء التي ورثها عن أمه زبيدة، فقد كانت دماء إمرأة مسلمة، متشددة في دينها، قوية الشكيمة، شديدة المراس، ذات شخصية آمرة، وبالجملة فإن أكثر مواهب وخصائص مصطفى جاءته عن طريق أمه.
ولما شب عن الطوق، بدأ على حقيقته صبي مشاغب، كثير للشجار، شديد المراس، لا يحترم أوامر المدرسة، ولا يطيق قيودها، فرأي خاله أن الجندية هي العمل الذي يناسبه ويناسب عنفه وشراسته فألحقه ذووه، بمدرسة عسكرية إبتدائية، كان التعليم فيها مجاناً وسلم الترقي مفتوحاً لتلاميذها المتفوقين حتى يبلغوا سلك الضباط، ورفضت الأم الإقتراح الذي راق لإبنها، فاعتمد على نفسه، وإستعان بضابط متقاعد من جيرانه، ودخل المدرسة العسكرية الإبتدائية، وحزنت أمه، ولكنه وضعها أمام الأمر الواقع، واختار مستقبله، وكان هذا القرار الأول كاشفاً عن طبيعة هذا الصبي الذي يعتمد على نفسه، ويضع الآخرين أمام الأمر الواقع، مهما كان هذا الأمر الواقع كربها عندهم، فنجح مصطفى في العلوم العسكرية البحتة والرياضيات.
وبقدر ما كان مستهيناً بالرؤساء، والأوامر الصادرة من الكبار، كان لا يحفل بما عليه تقاليد مجتمعه المحافظ، فقد كانت له علاقات بالفتيات اللواتي كان يخلب لبهن ثوبه العسكري، وقامته المشدودة، وعيونه الزرقاوتين الآمرتين، وانتقل إلى المدرسة العسكرية العليا، في موناسير، وكانت هذه الفترة فترة تذمر وسخط، وتآمر بين طوائف عديدة، منها الوطنيون المخلصون، الذين كانوا يرون إنحلال إمبراطوريتهم الضخمة، والمنتمون إلى طوائف غير تركية، من الأقليات العديدة التي كانت من رعايا تركيا الإسلامية.
فكان هذا الجو، يناسب مصطفى، الشاب الصغير، المحب للتآمر والتغيير، وكان في الوقت نفسه، يملأ صدره حنقاً، لأنه يرى دولته تذوي وتذبل، ووطنه يتمزق؛ وقد اختار الطريق العسكري الذي أصبح طريقه الدائم، وتعرف على الرهبان، وأساليب دراستهم، وتعلم على أيديهم اللغة الفرنسية وقرأ كتبها، فاجتمع في شخصه التتلمذ على الغرب، والإعجاب به، والرغبة في محاكاته، والتأثر بمفكريه وكتابه، وضاق بكل الذي حوله بما فيهم أمه، فآثر العزلة، والترفع عن الناس، والإعتداد بشخصه، ونجح في المدرسة نجاحاً عظيماً، فاعتبر أنه خلق لقيادة الناس، وإلزامهم طاعته ومارس الخطابة، فطاب له أن يؤثر على الآخرين، ويظن ان هذا التأثير ميسر له، وأنه قادر عليه، فحرص على أن يخطب الناس، ويروج لأفكاره كلما لاحت الفرصة.
خرج مصطفى كمال من أنقاض وخرائب الدولة العثمانية، عندما وضعت الحرب العالمية الأولى، أوزارها في نوفمبر سنة 1918، ليدفع عنها آخر هجمة عن أرضها، وإستقلالها بقيادة اليونانيين، ودعم عسكري وسياسي من بريطانيا العظمى، بزعامة مستر لويد جورج رئيس وزرائها، وزعيم حزب الأحرار فيها، وقد نجح مصطفى كمال في جهاده الوطني نجاحاً، ارتفع به مصطفى كمال إلى مصاف الأبطال الخالدين، والغزاة الفاتحين، والمجاهدين المؤمنين.
لكن ما كاد مصطفى كمال، يفرع من تحرير أرض الوطن، من الغزاة من اليونانيين، ومن خلفهم من ساسة الغرب، حتى انقلب إلى شخص آخر ففصل الخلافة عن السلطنة، فأصبح الخليفة شبحا بلا روح، واسما بلا مسمى، ولم يصل إلى إصدار هذا القرار وإنفاذه، إلا بالإرهاب الساخر، والعنف الجائر.
فقد وقفت كل تركيا، وكل العالم الإسلامي، في وجه هذا التحول الهائل، في تاريخ تركيا، التي عاشت تحمل تاج الخلافة الإسلامية قروناً، كان ملكها فيه باذخاً، وسلطانها في العالمين مديداً، وهيبتها عند أهل الغرب والشرق، تقذف الرعب في القلوب، وتستثير الإحترام والطاعة عند الدول والشعوب.
يبحث هذا الكتاب، في سيرة هذا الرجل الذي لا نحسب أن أحداً من أبطال العرب والمسلمين، على طول تاريخ هاتين الأمتين، ظفر من التمجيد والإكبار، ثم ما لبث أن انقلب عليه قومه، فرموه بكل نقيضة، تعلوها جميعها تهمة الكفر والإلحاد والخروج على الدين، مثلما ظفر مصطفى كمال في الحالين. إقرأ المزيد