تاريخ النشر: 01/01/1982
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية
نبذة نيل وفرات:تحكي الصفحات التالية فصول المأساة التاريخية لثورة يوليو كما يراها جيل كان معظمه في سن الطفولة اليافعة حينما قامت الثورة في 23 تموز/يوليو 1952. وكما يقول علماء اجتماع المعرفة أن كل جيل يعيد كتابة التاريخ. وليس المقصود بتلك العبارة تزوير التاريخ أو إهمال بعض أحداثه. وإنما تعني أن كل ...جيل يرى أحداث التاريخ الماضية بمنظاره هو، ويعيد تفسيره لا في ضوء ما جد من استكشافات فقط، وإنما أيضاً على دقات همومه وتطلعاته. وإن كانت تلك العبارة صحيحة بشكل عام، فهي أصح بشكل خاص حينما يتعلق الأمر بثورة تموز/يوليو المصرية العربية.
والذين يساهموا في هذا المجلد ليسوا مؤرخين بالمعنى الحرفي. فثورة تموز/يوليو لا تزال تعيش في وجدانهم وحولهم، من خلفهم ومن أمامهم. إنها واقع متجدد -ينتصر وينهزم، ينكفئ وينهض، يتقدم أحياناً، ويتقهقر أحياناً، وينحرف عن مساره أحياناً أخرى. ولأنه واقع متجدد فلا يمكن تناوله تناولاً تاريخياً محضاً. لذلك يكتب عنه المساهمون في هذا الكتاب بطريقة تشريحية تحليلية. يحاولون أن يجتزئوا ظاهرة الثورة وبعض جوانبها الكثيرة لأغراض الفهم والتدقيق. هذا مع علمنا جميعاً أن الظاهرة الثورية كل لا يتجزأ.
هناك قناعات وحقائق خلقتها الثورة على أرض الواقع الوطني والقومي والعالمي، ترسخت ويصعب اقتلاعها مهما حاولت القوى المضادة للثورة إلى ذلك سبيلا. فما حدث من تغيير للبناء الطبقي داخل مصر من خلال سياسات الإصلاح الزراعي، والقوانين الاشتراكية التي خلقت قطاعاً عاماً يقود الاقتصاد المصري، ومجانية التعليم والصحة والخدمات العامة، وتمثيل العمال والفلاحين في المجالس الشعبية المنتخبة، وغيرها كثير -كل هذا قد يمكن تجميده وعدم التوسع فيه. ولكن لا يمكن إلغاؤه أو التراجع فيه. والتزام مصر المبدئي بمناصرة كل قضايا التحرر العربي، ودورها القيادي على الساحة القومية، وسياسة تخليص الثروات العربية من قبضة الاحتكارات الأجنبية، والعمل من أجل الوحدة العربية. وغيرها كثير. قد يمكن تجميده أو عدم الاندفاع النشط لخدمته، أو حتى تشويهه. ولكن لا يمكن إلغاؤه أو التراجع عنه، حتى لو أرادت قيادة حاكمة، أو قوة داخلية مهيمنة لفترة تالية للحقبة الناصرية التي رسخت هذه المبادئ والممارسات ومبادئ عدم الانحياز، ومعاداة الإمبريالية، ونصرة نضال شعوب العالم الثالث، ونبذ الأحلاف والقواعد العسكرية الأجنبية، وغيرها كثير مما بدأته ورسخته الثورة في صلب العقل الجمعي المصري والعربي، قد يمكن تشويهه أو الانحراف عنه للحظة قصيرة. ولكن لا يمكن إلغاؤه أو التراجع عنه.
تلك القناعات المبدئية والممارسات الفعلية على أرض الواقع الوطني والعربي والعالمي قد رسخت وتغلغلت لدرجة أن الحاكم الذي تسول له نفسه أو مصالحه أن يتمادى في تحديها، فإن الشعب ينفض من حوله، ثم يتظاهر ضده ويتمرد عليه. وإذا تمادى أكثر في تحدي مبادئ الثورة وممارساتها فقد تطاله يد بعض أبناء الشعب بالفتك والاغتيال.
هذه المعاني وغيرها، هي ما تحاول مقالات هذا الكتاب أن تؤصل له بالتحليل والتفسير، بشكل صريح أو ضمني. هي تفعل ذلك دون اتفاق سابق بين المساهمين. فقد ظهرت هذه المقالات بشكل انفرادي في إعداد مجلة المستقبل العربي، على مدى السنوات الأربع الماضية. قد لا تجمع بينها وحدة المنهج أو وحدة الإطار المفهومي، ولكن تجمع بينها وحدة الهدف -ألا وهو إلقاء الضوء وإجمال الفكر في فهم هذا الحدث الضخم الذي وقع في مصر بدءاً من ليلة 23 تموز/يوليو 1952. إقرأ المزيد