تاريخ النشر: 29/01/2024
الناشر: دار الفقيه للنشر
نبذة الناشر:ما قبل الحكاية..
بيروت 1985...
سنوات قليلة مضت على نهاية الحرب، رجع المتحاربون إلى بيوتهم، منهم من عاد سالماً غانماً بالأموال والمناصب، ومنهم من عاد جريحاً لتبقى ذكريات الحرب محفورة في جسده. ومنهم من عاد محمّلاً بنعش خشبيّ مغطى بعلم. وطنٌ لم يفهم ما فعل أبناؤه المواطنون به وبأنفسهم. يكاد لا يوجد ...أحد عاد من الحرب كما كان قبلها، لا صوت الرّصاص يأبى الخروج من الآذان، ولا مشاهد الجثث الملقاة في شوارع بيروت تأبى مغادرة أطراف العيون. أكلت الحرب كل شيء، الحجر والشجر والأرض والبشر، قطعت شرايين المدن، وقطّعت معها أوصال الأرحام والمحبة، كانت السواد الأعظم، كانت الشر المستطير، كانت حرب الأهل مع الأهل، فسميت الحرب الأهلية.
عادت الحياة شيئاً فشيئاً إلى شوارع الحمرا.. عادت مقاهيها الشهيرة تحتضن قارئي الجرائد وشاربي القهوة الصباحية، وعادت أغنيات فيروز تطرب العصافير المصطفة على كابلات الكهرباء، لتعلن كل صباح شروق شمس يوم جديد...عاد النحاتون والرسامون، وعاد عازفو العود والفنانون.. وعادت عربات الخضار بأصوات بائعيها ينادون الأمهات للنزول من الأبنية والتبضع.
في ذلك اليوم، تجمّعت النسوة حول عربة أبي جهاد، الرجل الستيني الذي قُطِعت أحد أرجله جراء قذيفة من أيام الحرب السوداء، وكان يساعده ابنه في جر العربة، بينما هو يسعّر الفواكه والخضروات من على كرسيه المدولب.
تسأل إحدى النسوة: أين ريما؟ ليس لها في العادة أن لا تنزل لتشتري الأغراض وتحضر الأكل لزوجها البغيض، آه، كم أكره ذلك المجرم! فليساعد الرب ريما.. أنا متأكدة أنّ هذا الوحش ضربها لسبب ما غير آبه بأنها حامل في شهرها الأخير، حقير.
تضحك جارة ريما، لا لا، ريما في المستشفى تضع طفلها، أخذها الحقير في سيارته فجرا، وعلى الأرجح أنها وضعت طفلها الآن ...أتمنى أن يكون هذا الطفل بشرى خيّرة لتلك الصابرة، وعسى أن يضيف قليلاً من السعادة إلى حياتها البائسة.
تلتفت إحداهن إلى أبي جهاد، فتراه غارقاً في دموعه، واضعاً يده المرتجفة على فخذ رجله المقطوعة، وباليد الأخرى يغطي بعضاً من جبينه....
ما بك يا أبا جهاد؟؟ ماذا حصل؟؟ إقرأ المزيد