تاريخ النشر: 26/07/2022
الناشر: دار القارئ
نبذة الناشر:لقد كان حضور الأئمة المعصومين عليهم السلام في الساحة يغطّي كلّ مجالات الحياة، وكانوا بمثابة الدقة في سفينة الأمّة، لا يبرحون يحافظون على مسيرتها، فهذه آثارهم تشهد بفيضهم الزاخر، وسابغ نميرهم من الفقه، إلى العقائد، إلى العرفان، وانتهاءً بمختلف شؤون المجتمع.
ولقد قام الإمام الصادق عليه السلام بأمر مهم جداً في ...تاريخ هذه الأمّة، فقد غيّر الإتّجاه الذي كان الناس يسيرون فيه، فحوّل المسلمين من الاهتمام بدنياهم وملذّاتها وزبارجها وبهارجها، وما فيها من المتع، إلى الإهتمام بالعلم، وإقامة الحضارة، والخروج من دائرة الماديّات البحتة، والأنانية، وحبّ الذات، إلى الإهتمام بالآخرين.
إنّ الإمام ليس مجرّد رجل عبادة وزهد وفقه فقط، وإنّما هو رجل بناء وتغيير شامل في الأمّة، وهذه هي مهمّة الأنبياء عليهم السلام كما هي وظيفة الأئمّة عليه السلام فهم لا يحصرون أنفسهم في نطاق ضيق من العمل السياسي، أو التغيير الثقافي أو الإصلاح الاجتماعي، وإنّما يجمعون هذه الأمور كلّها ويوجّهون الأمّة توجيهاً شاملاً.
أمّا هذا الكتاب فهو مجرد إشارة إلى جزء بسيط من دور الإمام الصادق عليه السلام في هذه الحياة، وفي بناء الأمّة.
الأئمّة عليهم السلام هم سادة الخلق وقادته، وليس هنالك من هو أولى بهم لتولّي رئاسة السلطة أيضاً، ومن لا يرى لهم هذا المقام مع اعترافه بعلمهم وتقواهم وصدقهم وصفاتهم وإيمانهم، فهو يريد الحقّ لغير أهله.
ومن يعترف لأهل البيت عليهم السلام بمقام الإمامة، لكنه يغضّ الطرف عن الذين أزالوهم عن مراتبهم، ومنعوهم من رئاسة الدولة، فهو كمن يرى أنّ من ليس طبيباً له الحقّ في أن يفتح عيادة لمعالجة المرضى، بينما يُمنع عنها الطبيب.
لقد انفرد أئمة أهل البيت عليهم السلام بموقف سياسي خاص تجاه ما كان سائداً في تلك العصور، من تجاذبات سياسية شهدتها نهايات الدولة الأمويّة، وبدايات الدولة العبّاسية.
ولقد بقي الإمام الصادق عليه السلام على مسافة طويلة بطول المسافة بين الحَق والباطل عن السلطة العباسيّة، فهو لم يكن معها حينما قامت على هتك الحرمات، ولم يكن معها حينما استتب لها الأمر، ولم يقترب منها في أي مجال من المجالات، وبقي الإمام عليه السلام مطارداً، كما أنّ أصحابه وحوارييه وشيعته كانوا تحت الرقابة الشديدة من قبل السلطات، وتعرّض الكثير منهم للإضطهاد إلّا أنّ الإمام عليه السلام بقي ملتزماً بالحقّ، ومتجنباً سلطة الباطل في نفس الوقت.
أوّل ما يمتاز به الأنبياء عليهم السلام هو العلم، فالوحي عبارة عن علم الله الذي يمنحه لرسله، أمّا الأوصياء فهم ورثة علوم الأنبياء، وأهل البيت عليهم السلام هم حملة علم النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولذلك يُوصفون بأنّهم معدن العلم، فهم منابع العلم سواءً العلم الذي يرتبط بدنيا الناس، أو الذي يرتبط بآخرتهم، وعلى الأخص فيما يرتبط بالشريعة المقدسة.
لم يتعلّم الإمام الصادق عليه السلام من أحد، ولم يدرس عند أحد، ولم يحضر لدى أي معلّم غير آبائه، ومع ذلك تخرّج على يديه أكثر من ستة آلاف من أعاظم علماء عصره.
إنّ علم الصادق عليه السلام لم يكن دراسيّاً، بل كان وراثيّاً.
بالإمام الصادق عليه السلام بدأ عهد التنوير الحقيقي من خلال تعيين الأهداف والغايات والمقاصد، وتربية العلماء لإدارة الأمّة إدارة علميّة مصيريّة واعية.
لقد أثبت الإمام الصادق عليه السلام أن العلم وحده إذا تفاعل مع الإيمان، فهو قادر على أن ينتقل بالمجتمع من مجال إلى مجال، بفعل تزكية النفوس، وإنقاذها من مستنقع الإنغماس في ملذّات الدنيا الدنية، ودفعها إلى آفاق الآخرة، ورضوان الله ورحماته.
تاريخ أئمة أهل البيت عليهم السلام حافل بالإيمان المطلق، وبالعمل ضد كلّ مظاهر الإنحراف في الأمّة، كما هو حافل بالعلم والعطاء أيضاً.
إلّا أنّ الفهم السطحي لتاريخهم تارة، والتحريف الذي طرأ على التاريخ من قبل ذوي الأهواء تارة أخرى، وإهمال الدراسة لحياتهم العمليّة تارة ثالثة، كلّ ذلك ساعد على وجود حالة من الجهل للأئمة عليهم السلام، حيث لا زال قطاع واسع من أفراد الأمّة يجهل هذا التاريخ الحافل بالعبر والمكرمات.
ومن هنا ولكي تغيّر أمّتنا الإسلامية واقعها المتخلف، جذريّاً، لا بدّ لها من الإقتداء بالأئمة عليهم السلام ودراسة المتغيرات السياسيّة في أيامهم، وأساليب العمل الجهادي الذي كانوا يقومون به، لكي تطبّقه على وضعها المعاصر.
وباعتبار أنّ الإمام الصادق عليه السلام كان صاحب أكبر مدرسة فكرية تصدّت للزيف، ولممارسات الحكّام الأمويين والعباسيين، بشكل تعجز الكلمات عن وصفه، فإنّه أفضل قدوة لأمّتنا اليوم، كما كان أفضل قدوة في زمانه. إقرأ المزيد