تاريخ النشر: 05/04/2022
الناشر: دار المقتبس
نبذة نيل وفرات:السياسة في اللغة تطلق على معانٍ؛ منها ما ذكره في "لسان العرب" من أنها القيام على الشيء بما يصلحه"، وهذا المعنى اللغوي هو المقصود من معنى "السياسة الشرعية"، لأن الشارع، كلّف كل من ولي أمره فرد، أو جماعة، أو وكل إليه التصرف في أمر من أمور غيره... بالقيام عليه ...بما يصلحه؛ لا فرق بين أن يكون إماماً، أو والياً، أو رئيس قبيلة أو أسرة، أو غير ذلك...
وإلى هذا يشير الحديث الصحيح، في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيتها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته".
وبديهي أن الغرض من الحديث: أن كل من وكل إليه التصرف في أمر، أو وُليّ أمر غيره... وجب عليه أن يقوم عليه بما يصلحه؛ فإذا أهمل، أو قصر في ذلك... كان عليه وزره في الدنيا والآخرة.
وعليه يمكن تعريف "السياسة الشرعية" بأنها: "القيام على الشيء بما يصلحه"، مع زيادة: "بالقوانين والنظم الشرعية".
ويتضمن هذا التعريف ثلاثة أمور: - أحدهما: أن يكون الحاكم صالحاً للقيام على الشيء بما يصلحه، - ثانيها: أن يكون المحكوم قابلاً للإصلاح، وثالثها: أن تكون القوانين والنظم المستعملة لذلك كفيلة بالإصلاح.
وعلى هذا تدور مباحث هذا المنهاج، فأما الأمر الأول... فقد ذكروا له: مسائل الخلافة والقضاء، وما يتعلق بهما، وأما الثاني... فقد ذكروا له: مسائل علاقة الحكوميين بالحاكمين: سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين؛ محاربين ومعاهدين وذميين، وقد استلزم بيان هذه العلامة ذكر دار الإسلام ودار الحرب والجهاد... إلخ.
وأما الأمر الثالث: وهو القوانين التي تحكم بها الأمة... فإن المراد منها: القوانين والنظم العامة المتعلقة بالحكم، وهي القوانين المتعلقة بحفظ الأموال والأنفس والأعراض، وليس الغرض البحث عن جزئيات المسائل المتعلقة بالعبادات والمعاملات والحدود والأحوال الشخصية ونحو ذلك...
فإن هذا قد تكفل ببيانه علم "الفقه الإسلامي"، وقد ذكروا لهذا القسم: مبحث الحريات التي كفلها الإسلام للأفراد والجماعات، والمساواة في الحقوق المدنية والسياسية والواجبات العامة.
هذا وقد عرفه الشيخ محمد البنا بأنه: "علم مبحث فيه عما تدبر به شؤون الدولة الإسلامية من القوانين والنظم التي تتفق هي وأصول الإسلام وإن لم يقم على كل تدبير دليل خاص".
وبديهي أن مراده بالقوانين: ما يشمل القوانين الشرعية المتعلقة بالحاكمين والمحكومين، والقوانين التي يساس بها المحكومون، وبهذا يكون التعريف منطبقاً على ما تمّ بيانه بلا فرق.
من هذا المنطلق تأتي هذه المباحث حول السياسة الشرعية، والتي اشتملت على البحث في المواضيع التالية: بيان ماهية السياسة الشرعية لغة وإصطلاحاً وبيان دقائقها، ثم الحديث عن الفرق بين السياسة الدولة والظالمة، وبيان الفرق بين السياسة العادلة والظالمة، والبحث في كيفية تكفل الإسلام بالسياسة العادلة.
والإنتقال من ثم للحديث عن تاريخ دخول السياسة الوضعية في الحكومات الإسلامية وبيان الأسباب الداعية إلى ذلك، ثم تخصيص المبحث الأخير لإغناء هذه المباحث بإيراد أمثلة تتعلق بإجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه في مجال السياسة الشرعية، وبيان حذاقة الولاة في هذا المجال في مختلف العصور.
وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن أصل هذه المباحث هي فصول قيّمة وضعها فضيلة الأستاذ الشيخ محمد البنا في علم "السياسة الشرعية" لطلاب السنة الأولى من تخصص "القضاء الشرعي" وهي على إيجازها.
كما ذكر الشيخ البنا؛ إلا أنها قد أوضحت السبيل لمن يريد أن يدرس هذا الفن، أو يكتب له، ويذكر المؤلف بأنه كان له شرف تدريس هذا الفن لهؤلاء الطلبة على منهج جديد، مما اقتضى وضع مباحث تكميلية لفصول فضيلة الأستاذ الشيخ البنا، فجاءت هذه المباحث التي تتيح للطالب دراسة هذا الفن على أكمل وجه. إقرأ المزيد