لغة القرآن ؛ من الأبنية الصغرى إلى الأبنية العليا
(0)    
المرتبة: 60,437
تاريخ النشر: 29/10/2020
الناشر: مؤسسة الإنتشار العربي
نبذة نيل وفرات:لا يزال القرآن الكريم محراباً يؤمنه الدارسون جادّين في سبر أغواره، واكتناه أسرار ألفاظه وتراكيبه، فهو المعجزة الخالدة التي عجزت عنها عقول العظماء وألسنة البلغاء.
ولم يكن هذا الإعجاز مقصوراً على اختيار ألفاظه، أو نظم جُمَلِهِ، أو رصف تراكيبه؛ وإنما يتعدّى ذلك كله إلى هيكله التنظيمي الرصيف، وبنائه المُحْكَم الذي ...ليس له نظير؛ وهو ما يعرف في الدرس اللغوي الحديث بالأبنية العليا.
لقد تجاوزت مهمة نَحُو النص حدود الجملة إلى محيط النصّ كله، فلم يعد يُنْظَر إلى الجملة كجملة مستقلة؛ وإنما باعتبارها لبنة من اللبنات المكوّنة للنص، وصار يبحث من الخيوط التي تحقق تماسك النص وتجعله نسيجاً محكماً، فنظر إلى الأصوات وعلاقتها بالمعنى، وإلى البنية وعلاقتها بالسياق، وإلى الكلمة وعلاقتها بالجملة، وإلى الجملة وعلاقتها بالفقرة، وإلى الفقرة وعلاقتها بغيرها من الفقرات التي تكوّن النص؛ بل تجاوز ذلك كله إلى البحث عن مستويات أعلى من التحليل كالمستوى الدلالي أو ما يعرف بالأبنية النصيّحة الكبرى، والمستوى البراجماتي أو ما يعرف بالأبنية النصّية العليا.
ضمن هذه المقاربات يأتي هذا الكتاب الذي يمثل تأملات في لغة القرآن الكريم من البنية إلى التركيب، أو من الجزئية إلى الكليّة، أو من الأبنية الصغرى إلى الأبنية العليا، بدءاً بنية الكلمة، فهي الجزء الأصغر في في عملية التحليل النصّي، وذلك من خلال الوقوف على صيغة الكلمة وعلاقتها بالمعنى، مع مراعاة السياق وعدم الإغفال عنه في إبراز دلالاتها، فبالوقوف على دلالات الكلمة في التحليل يستعيد المتلقي طاقتها الفاعلة، وقدرتها الحيوية على تحريك مسار النص؛ لأن النص ما هو إلا إنتاج لِبِنىً متراصّه متعالقة ومتماسكة، ومروراً بالتركيب؛ فهو الوحدة النصية الصغرى التي تشكل لبنة النص، والتي تعدّ أساساً في نحو النص ولا يمكن الإنطلاق إليه من خلالها؛ إذ إن الكلمة - من خلال تعالقها مع غيرها من الكلام تعالقاً نحويّاً، هي التي توصل المتلقي إلى عملية التحليل النصي، ووصولاً إلى الأبنية العليا في النص؛ فهي الشكل التنظيمي، أو البناء الهندسي الذي يحدد النظام الكلي لأجزاء النص وتدمج فيه الأبنية الصغرى والأبنية الكبرى، وابنتهاءً إلى السبك النصّي الذي يختص يرصد الإستمرارية المحققة في ظاهر النص.
وقد عمد الباحث في هذه التأملات إلى التطبيق الذي تعتقده كثير من المؤلفات، وقد وقع اختياره التطبيق على القرآن الكريم؛ إذ أن النص القرأني هو أوضح نصٍّ تتجلى فيه أدوات التماسك والإلتحام؛ لأن بين الأيات - بما وراءها وما أمامها - من الإرتباط والتعلق الذي هو كلحمة النسب ما يدعو إلى اليقين بذلك.
وقد انتظمت هذه الدراسة ضمن فصول أربعة، أولها وثانيها؛ عالجاً جزءاً من بناء الفاصلة القرآنية، فالفاصلة كقافية الشعر، وإذا كانت القافية هي رأس البيت وأشرف ما فيه؛ فإن الفاصلة هي رأس الآية التي يُتَوَّج بها مبناها ومعناها؛ لذا كان اختيارها في هذا الموضع على وجهٍ من الدقة المتناهية والبلاغة المعجزة.
أما الأول فقد عالج مسألة البنية، ويختصّ بالحديث عن دلالات الصيغ المعدول إليها في الفواصل القرآنية، وأما الثاني؛ فقد عالج مسألة التركيب في الفاصلة القرآنية، وقد وقع اختيار الباحث على التركيب النعتي، لأن النعت وظيفة نحوية نحوية متعددة، شغلت ما يناهز خُمْسَ الفواصل القرآنية كلها، أما بالنسبة للفصلين الثالث والرابع؛ فقد عالجا - على الترتيب - مسألتي الأبنية العليا في سورة "المؤمنون" وعناصر السبك فيها، والأبنية العليا، وعناصر السبك كلاهما جزء من عملية التحليل النصّي التي لا يكتمل إلا بهما.
فلكلّ نصّ أبنيته العليا التي تميزه من سائر النصوص، فأبنية النص القرآني يختلف حتماً عن أبنية الحكاية، أو الخطبة، أو النصّ الشعري، أو غير ذلك من الأجناس الأدبية.
وهذه الأبنية هي التي تنظّم سير النصوص، وتحْكُم عناصر تماسكها، فالنص اللغوي لا يمكن أن يؤدي دوره إلا إذا كان متماسكاً بطريقة تمكن القارئ من إستيعابه إستيعاباً كليّاً، وتجعله قادراً على ربط أوله بآخره، ولا يكون ذلك إلا من خلال أبنية عليا رصينة يُصَيبّ فيها مضمون ذلك النص، وعناصر سبك مُحّكَمَة، تساعد على إستمرارية المعنى وابتداءه من أول النصّ إلى آخره.
وأخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن هذه الدراسة سُبِقَتْ بالعديد من الدراسات اللغوية في القرآن الكريم، لكن يبقى هذا العمل متفرّداً بفكرته، والتقاط خيوطها، وتسلسلها من الأبنية الصغرى إلى الأبنية الكبرى في النص. إقرأ المزيد