تاريخ النشر: 01/01/2005
الناشر: الشرق العربي ناشرون
نبذة نيل وفرات:المعلقات : وهي تلك القصائد الطوال ، التي أصبحت النموذج للقصيدة ، وظلّت نمطاً راقياً ، يتشوفه الشعراء ، ويتطلّع إليه كل من أراد الوصول إلى كمال التعبير ، ودقة التصوير ، فلا يجد إلا أن يحاكيها ، وينسج على منوالها . هذا الفرزدق يقرّ بالفضل لأولئك الشعراء الأمجاد ...الذين وهبوه طرائقهم ، وكانوا معينه الذي يستقي شعره منهم : / وهب القصائد لي النوابع إذ مضوا . . . وأبو يزيد وذو القروح وجرْوَلْ / بل إن المتنبي ، وهو أحد فرسان الشعر الأشاوس يرنو في إجلال وإكبار ، إلى سنن الشعر الجاهلي ، وفي مقدمته معلقاته ، فكأن هذه السنن ، قانون مقدس لا يجوز لأحد مسّه ، أو الخروج عليه . يقول : / إذا كان مدحٌ فالنسيب المقدم . . . أَكُلُّ فصيحٍ قال شعراً ميتمُ / . والمعلقات ، خير مثل لمنهج القصيدة العربية ، فهي - بلا استثناء - تبدأ بالنسيب ، من غزل ووقوف على الأطلال ، وركوب ناقة أو فرس ، ثمّ الوصول إلى الغرض الذي من أجله صاغ الشاعر قصيدته ولكن لماذا سمّيت تلك القصائد الباذخة بالمعلقات ؟ ! لقد طال اختلاف المؤرّخين في سبب التسمية . قال بعضهم : لأنها كانت تُكتَب بماء الذهب ، وتعلَّق بعد إنشادها على أستار الكعبة ، فقالوا مذهبة امرؤ القيس ، ومذهَّبة زهير . . . وقالوا : إنما سُمِّيت بهذا لأنها كانت - لجودتها - تعلق بالصدور ، وقال آخرون : إنما سُمّيت كذلك لنفاستها ، آخذاً من كلمة العلق ، بمعنى النفيس . وأيّاً كان القول ؛ فإنها ظلّت أجيالاً طويلة النموذج الأمثل الذي يرنو إليه الشعراء ، ويستهوي نفوس الأدباء . هذا وقد تناول شرح تلك المعلّقات منذ القديم ، كثير من أئمة اللغة ، وجهابذتها ، وأدّوا دوراً كاملاً ، بما يتلاءم مع عصورهم ، وأبناء زمانهم . وإن الناظر في تلك الدراسات والشروح ، يرى فيها مسالك تبعد عن الدارس المعاصر ، فهمه لها ، واستمتاعه بها ، ولعلّ الحاجة إلى إعادة النظر في عرض هذا التراث تقتضي أعمال الفكر ، وإدامة النظر ، لجعل هذا التراث قريباً من هذا الجيل ، وعرضه على الأبناء عرضاً يحبّبه إليهم . . حتى لا ينقطع الحاضر عن الماضي ، وتبقى الصلة به قائمة على أساس من التفاعل والفهم . إنطلاقاً من هذه الحاجة يأتي هذا الشرح ، حيث يشير الشارح إلى أنّه لا يدّعي أنّه أول من حاول تقديم المعلّقات والعمل على تبسيطها . . إلا أنّه يؤكد أنّه سلخ في تدريس هذه المعلّقات وغيرها من قصائد الشعر الجاهلي ، زهاء ثلاثين عاماً وعليه يقول : " أنّه لكي يجعل قارئك ملتصقاً بك ، وطالبك بحسن الإستماع إليك ، هو أن تقدم إليه ما يمكنه فهمه ، حتى إذا فعلت ذلك تدرّجت به إلى مستوى أرقى ، ثم أرقى ، حتى لا يعود بعد ذلك أمامه عقبة لا يمكنه التغلّب عليها [ . . . ] ودليله في ذلك ، ما فعله الإنكليز بأدب شاعرهم الأول ( وليم شكسبير ) فقد دأبوا منذ وفاته ، على تقديم أدبه ومسرحه ، بأسلوب معاصر ، حتى يومنا هذا ، فهم يقدّمونه في مستويات مختلفة ، تبدأ بلغة يفهمها الأطفال ، وتنتهي باللغة نفسها التي كتب بها شكسبير أدبه ومسرحه . وإلى ذلك يؤكّد الشارح أنّه ، وحول المعلّقات كنصوص ، وفي شرحه هذا ، لم يغيّر فيها حرفاً واحداً ، ولا عبارةً واحدةً ، وأن كلّ ما فعله ، هو الشرح المبسّط ، والبُعد عن متاهات الشرّاح القدماء . . . وهنا يقول : أن العربية هي لغة القرآن ، وهي مرتبطة به ، ارتباطه بها ، وربما استحدث هذه اللغة من القرآن قداسته ، ولا يجوز بحال التعدّي على قداستها : وأيّاً كان فإن أدبنا الجاهلي ، وبرغم الزمن البعيد بيننا وبينه ، أقرب حتى إلى عامّتنا ، من أدب شكسبير ، ولافونتين ، وغوته ، إلى غير المتخصصين ، في الآداب الإنجليزية والفرنسية والألمانية . . وهذا سرّ لا يؤمن به إلا القليل [ . . . ] . إقرأ المزيد