العقل بين المقاومة والاستسلام
(0)    
المرتبة: 131,701
تاريخ النشر: 22/12/2017
الناشر: ومضات للترجمة والنشر
نبذة نيل وفرات:منذ أن هبط الإنسان إلى الأرض ليتحمل أعباء الخلافة الإلهية، ويطوي طريق الإستكمال الطويل في هذا العالم الجديد، هبط معه الشيطان بكل ما يكنّه من عداوة للإنسان، ليكون حجرة عثرة في طريق تكامله وإرتقائه، وليفتح معه جبهة عريضة من الصراع المرير الذي لا ينتهي إلا بإنتهاء حياة الإنسان فوق ...هذه الأرض.
وقد اصطفى الله تعالى الإنسان وكرّمه بأحب الخلق إليه، وهو نور العقل، ليضيء له الطريق في ظلمات الأرض، وليستعين به في صراعه المرير مع نفسه التي تدفعه دائماً إلى الركون إلى ملذات الدنيا وشهواتها، ومع الشيطان وجنوده الذين يسولون له حب الدنيا، ويزينون له طريق الشر، ويحولون بينه وبين معرفة الحق وفعل الخيرات.
وقد منّ الباري تعالى على بني الإنسان على مر التاريخ أن أرسل إليهم رسله وأنبياء وحكماؤه من جنود العقل، حاملين دستور الحكمة إليهم، ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكر وهم منسي نعمته، ويثيروا لهم دفائن العقول... فمنهم من إستضاء بنور عقله وسلك سبيل الخيرات وكان من جنود العقل والرحمن... ومنهم من أطفأ نور عقله واتبع هواه، وكان من جنود الجهل والشيطان.
هذا وقد سعى معسكر الخير منذ بداية التاريخ لإحياء العقول والضمائر، وتحقيق العدالة الإجتماعية، وتحرير الناس من كل القيود والأغلال المادية التي تحول دون إرتقائهم إلى سلم الإنسانية، وتصدوا بكل شجاعة وصمود في وجه معسكر الشر الساعي لمحاربة العقل والقيم الإنسانية والإلهية، من أجل إستعباد الشعوب والهيمنة على مقدراتهم الذاتية لتحقيق مصالحه الشخصية والفئوية غير المشروعة وسوف يستمر هذا الصراع، بين جنود العقل وجنود الجهل إلى أن يأتي اليوم الذي تكتمل فيه عقول البشر، ويسود فيه القانون الإلهي، وترفرف فيه رايات العدالة والحرية، والعزة والكرامة الإنسانية، وتتحقق فيه الحضارة الإنسانية الحقيقية تحت ظل الحكومة العقلية.
ضمن هذه المقاربات تأتي هذه الدراسة التي تتناول موضوع الدور الخطير الذي يمكن ان يلعبه العقل في إدارة الصراع بين الحق والباطل في الرؤى والأقوال، وبين الخير والشر في المواقف والأفعال؛ سواء على مستوى الصراع الداخلي بين الإنسان ونفسه، أو على المستوى الخارجي بينه وبين قوى الشر العالمي، وسوف يتضح من خلال هذه الدراسة أن منشأ الصراع الإجتماعي والسياسي بين قوى الخير والشر منذ بداية التاريخ وإلى يومنا هذا مرجعه في الحقيقة إلى صراع العقل مع قوى النفس الأخرى داخل مملكة الإنسان، وأن الصراع الخارجي ما هو إلا مظهر للصراع الداخلي، وأن الصمود والتحدي الذي بيديهما معسكر الخير في مقاومته لقوى الشر العالمي من أجل تحقيق العدالة، والمحافظة على الفترة والكرامة الإنسانية، إنما هو مستلهم من صمود العقل وإنتصاره على قوى النفس الحيوانية، كما أن الذل والإستسلام اللذين إرتضاهما معسكر الشر أمام رغباته المادية ورموزه الشريرة، إنما هي النتيجة الحتمية لإستسلام العقل وهزيمته أمام الوهم والقوى الحيوانية. إقرأ المزيد