تاريخ النشر: 01/01/2018
الناشر: دار الساقي للطباعة والنشر
نبذة نيل وفرات:"وغمرني شعورٌ مريح من السكون والهدوء، وطمأنينة النفس، لأنني – بكل بساطة – أعدت إكتشاف نفسي، أمسكت بزمامها بعد أن كانت في لحظة طيشٍ وتهور تفلت مني للأبد.
المصادفة وحدها ساقتني إلى بر الأمان، وأخرجتني من ظلمات الجهل إلى نور البصيرة، وجلست أحصي مكاسبي تماماً مثلما يحصي التاجر مكاسبه: ما ...جناه من ربح وما بني به من خسارة، وسألت نفسي: ماذا ربحت؟ وماذا خسرت؟ ووجدتْ أن أكبر مكاسبي وأبرزها من هذه التجربة المريرة هو: التغيير، أقول هذا الكلام بعد مرور أكثر من خمسة وعشرين عاماً من العذاب والنعيم، والطمأنينة والقلق، والصحة والسقم، والفشل والنجاح، والسقوط والنهوض، منذ ذرع الحلاّج داخلي البذرة الأولى.
صحيحٌ أن التعبير بطيء، ولكنه ناضجٌ، ومكتمل النحو، وفعالٌ، ومؤثرٌ في الوقت نفسه، تركت الزمن ينصفني من ظلم الأعداء، والكارهين والمتربصين، وقد أنصفني أيما إنصاف، وقد يتأخر العدلُ، ولكنه قادمٌ لا محالة، أين سمعت أو قرأت هذه العبارة من قبل؟ لا أعرف ولكنها صحيحة مئة بالمئة... الحلاج غيرني وساعدني على إحداث هذا التغيير، أنا ممتنٌ له أشدّ الإمتنان لأنه جعلني أنظر إلى الحياة بمنظور آخر، وأنا ممتنٌ لهلوساتي، وأمراضي، وكوابيسي، وخيباتي، وسقطاني، وعذاباتي، وممتنٌ حتى لصناع الكراهية والأحقاد ممن هم على شاكلة الدكتور فالح وبقية الزملاء ومن لفّ لفهم، أقول ذلك رغم ضآلة ما حدث لي مقارنةٌ مع ما حدث للحلاج، من أهوال ومصائب تحار فيها الألباب ويتزلزل لها الوجدان.
كانت كل هذه الأمور مجرد إرهاصات أولية لمرحلة ما قبل التبدل الكبير، فسببها أصبح لكل شيء حولي تفسيرٌ وقيمةٌ، طفرةٌ سلوكية ومعرفية وروحية هائلة علمتني أن ظواهر الأشياء والاحداث خدّاعة ما لم تُسبر أغوارها قبل إصدار الحكم الصحيح، وعلمني الحلاج أن للحياة قيمةٌ عظمى إذا جرّدتها من عوالق الشهوات والإمتلاك والأنانية، أصبح للكلمات من نوع: إيثار، تضحية، إخلاص، تفانِ، محبة، وجد، شوق، قسام... ومعانٍ أكثر غنىً وصدقية... وأشعر بذلك الفيض من الشفافية، الذي جعلني أدرك أن المحبة سلوك يتسم بالذاتية المفرطة، وهذه الذاتية المحبة عندما تفيض منك تغمر بالضرورة الآخرين من حولك، تصبح المحبة لا مجرد أفعال لا معنى لها، بل رحمةٌ سابغةٌ، ومقاماً عالياً، وحالاً زاهياً، ويصبح للمحبة لغة خاصة لها دلالات وإشعاعات مبهرة لا يدركها إلا القلّة القليلة، والآن أشعر بقليل من الإرتياح، أتنفس بعمق، أشعل سيجارة، أنفث منها نفثات متلاحقة، أفكر بصوتٍ عالٍ، وأقول لنفسي معزّياً: لكنني رغم ذلك تطهّرت وتخلصت من عوالق الدنيا في آخر المطاف، أما أولئك الذين أعرفهم جيداً، فلا يزالون مختبئين كالفئران في حجورهم... وكان هذا أكبر إنتصار، وأفضل عزاءٍ لي، والحمد لله من قبل ومن بعد... أعرفهم... هؤلاء... وهنا المشكلة... ولأنني أعرفهم جيّداً، كان حزني وغضبي وغيظي أكبر، هم أصدقائي، أو كانوا أصدقائي بمعنى أصبح، جمعتنا سنوات من الزمالة في أمكنة مختلفة، في العمل وخارجه الدكتور فالح راشد والدكتور فايز، والمعيد الجديد الأستاذ راضي... وعدد لا بأس به عن الرفقاء الأغراء، أو الذين كانوا أعزاء في أيامٍ مضت... لكن هؤلاء "الأصدقاء" سحبوا مني شهادة الدكتوراه، ولم يصادقوا عليها، رفضوها تحت حججٍ لا تُسمن ولا تغني من جوع، فليسحبوها..." أي أسباب واهمة تلك التي ساقوها له قالوا: "الحلاج الذي افتراه في جزء من موضوعه، في رسالة الدكتوراه الخاصة به، كافرٌ، صريح الكفر وزنديق!...
كانت رسالة الدكتوراه في موضوعها الرئيس: "الظروف السياسية والإجتماعية التي ساهمت في ظهور التصوف في العصر العباسي الوسيط – الحلاج نموذجاً، شخصية الحلاج شرعت نوافذ الإنعتاق أمام نوري إبراهيم، الراوي صاحب هذه الرسالة الجامعية التي أدخلته في عذابات ومعاناة بسبب غدر الأصدقاء، هيأته ليكون شخصاً آخر، وفي نهاية مطاف رحلته مع من زجه في أتون شبهات جعلها تحوم حوله بسبب موضوع رسالته، فإن الحلاج حاضراً في حياة نوري إبراهيم بإصرار، ليقوده إلى الخلاص، من نفسه وممن حوله، ومما حوله... ففي لحظات يأسٍ... من الحياة، ومن الرفاق، أي نوري الحلاج مقبلاً نحوه وهو يلبس ثياباً بيضاء، ويعتمر فوق رأسه عمامة بيضاء... "وأصرخ في وجهه مثل طفل تاه عن أبيه لوقت قصير: "لماذا تركتني بمفردي يا سيّدي الحلاج؟" يجيب عن سؤالي بسؤال: "هل ستلحق بي؟" لماذا تركتني وحيداً كل هذه المدة يا سيدي؟"... ولماذا ولفت أنت في دماء الناس؟".
كل ما يحدث لي سببه الوحيد هو أنت"، لكنني لم أطلب منك أن تقتل ولو ذبابة... لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراقاً" سيقطعون رقبتي..." ولكنهم لم يفعلوا بك كما فعلوا بي..." وماذا فعلوا بك؟"... "ضربوني ألف سوط، وقطعوا يدي اليمنى، فالقدم اليسرى، فاليد اليسرى، والقدم اليمنى، ثم أحرقوا جثتي، ونثروا رمادها في نهر دجلة!"... ماذا أفعل يا سيدي؟" "اصبر واحتسب"، تلك هي البذرة الأولى، التي زرعها الحلاج في داخل نوري إبراهيم والتي أثمرت نجاحاً.
وهكذا وبعد خمسة وعشرين عاماً على سحب شهادة الدكتوراة من نوري إبراهيم وبعد صبره وإحتسابه يرن جرس الهاتف، كان المتحدث مذيعاً من قناة قضائية يطلب منه لقاء تلفزيونياً يحاول فيها معه قضية الرأي العام تلك المثارة عبر وسائل التواصل الإجتماعي، قصة سحب شهادة الدكتوراه منه ولتشترك كل وسائل التواصل الإجتماعي في إنصافه ممن ظلموه.نبذة الناشر:تقرّر الجامعة سحب شهادة الدكتوراه من الأستاذ نوري إبراهيم. كأنّ الزمن لم يتغيّر، منذ ألف ومئتي عام حتى اليوم، أي من اللحظة التي أعدم فيها الحلّاج إلى جلسة التحقيق التي وجد نوري نفسه فيها متّهماً بالكتابة عن "زنديق وكافر".
في لحظة ما، يكتشف نوري أن سنوات الصداقة والقرابة بينه وبين فالح تكشّفت عن حقد دفين أدّى إلى تدمير حياته. وعندما يقرّر الانتقام، يلاحقه طيف الحلّاج... إقرأ المزيد