تاريخ النشر: 17/08/2017
الناشر: دار نلسن
نبذة نيل وفرات:"في الساعة الخامسة": أجاب انطون وسألة: "هل صحيح ما يقول الناس؟" ماذا يقولون؟... ردّ سعيد مبغوتاً: "إنك رسبت في الإمتحان"... ولئلا يراه أحد رسلك سعيد درب الكروم، في عنّايا جارة السماء... اسودّت الدنيا في عينيه، واستبدّ به شعور بالعجز عن النجاح، القمر بدرٌ، يعشق القمر، كان يُمضي ساعات يتأمله، ...لم تتعثر قدماه في تسلق التلة المجاورة، مشى على أجمل أرض يعشقها والده، لكنه اضطر إلى التنازل عنها، يعرف لماذا باع أبوه التلّة، أخبرته أمه، ورفض أبوه بإصرار وكبرياء التطرق إلى الأمر... واشتعلت نفس سعيد بقرار صعب"... سأستعيد التلّة، ولن أترك أي يدفع نفقات دراستي بعد اليوم...".
بصبر انتظر سعيد القنّو بيني إمتحانات الدورة الثانية، وصباح اليوم المصيري، كما سماه، في أحد أيام آب: 1198، استغلّ مع أخيه بولس سيارة الأجرة الوحيدة في عنّايا ونزلا إلى ساحة جبيل... مشى حتى المدرسة الثانوية الرسمية، ودخل الغرفة الرابعة، جلس على المقعد الثاني، لم يستفسر عن شيء... هل تنجح هذه المرة يا سعيد؟... "سأله بولس لدى إنتهاء الإمتحان... "أتمنى أن تنجح حتى تبقى مع أبي وأمي، أنا سأهاجر، البلاد... إلى سويسرا، سأدخلها متسللاً وأطلب اللجوء... " "إلى سويسرا"... ردّ سعيد بإستهجان، وقال: "سواء نحجب أم لم أنجح، سأغادر البيت وأنزل إلى بيروت، لأعمل وأتابع دروسي رولت أعود إلى عنّايا إلا لأستعيد التلّة... مسّتعيد التلّة؟ هل تحكم؟... "سأصنع المعجزة"... أجابه سعيد، وقال: "سأودع صديقي الراهب، قالت لي أمي أمس! إنه زارنا في البيت، كان يريد أن يقول لي بضع كلمات، كما أبلغتني، وهو يريد أن أزوره في الدير"... كان سعيد يشعر بفرح كلما ذهب إلى الدير وتحدث مع صديقه الراهب، دائماً ما كان يقول له: "أنا عمّدتك يا سعيد، ورافقتك منذ كان عمرك شهراً".
ابتسم سعيد حينما تذكر هذا القول، فيما كان وافقاً قرب جثمان مارشربل المسمي في نعش من خشب الأرز، ينتظر مجيء صديقه الراهب حتى يودعه، كان صديقه يقول له: "انتظرني دائماً قرب شربل، هو رفيقك الدائم وحارسك الأمين"، وحين جاء الراهب قال له: "أخبرتني أمك بشيء يا سعيد، فليرافقك شربل وليلازمك، وأنا أبارك ما تنوي القيام به، أنزل إلى بيروت، ادخل الجامعة اللبنانية، وحقق أحلامك، لكن لا تنسى الحرب في بلادنا تنتقل من مدينة إلى قرية إلى شارع، حذار المغامرة يا سعيد، أنا لا أريد أن أزيد على حزني أحزاناً أخرى، حتى الساعة لم أنسى رهبان دير عشاش، الاخ يوحنا مقصود، والأب بطرس ساسين والأب أنطونيوس تمينه، أعرفهم جميعاً، عشت سنوات مع ملٍّ منهم، ولا يزال 9 أيلول 1975 يوم إستشهادهم محفوراً في قلبي... العاصمة مقسومة شرقية وغربية، تهجير قسريٌّ، حصار للمخيمات والدامور والجيّة، هجوم على الكرنتينا والمسلخ وتلّ الزعتر...
بيروت ليست جنّة الآن، اختار العالم بلادنا حتى يتحارب فيها، وما يقلقني هو أني حتى الساعة لا أعرف ولم أعرف لماذا وقعت مجزرة إهدن؟ ولماذا هذا العنف غير المسبوق؟ أهكذا يعامل أحدنا الآخر؟ هل تعرف نحن المسيحيين ماذا نفعل؟ ألا يوحي إضطرار رئيس الجمهورية إلى الخروج من قصر الرئاسة في بعبدا، والإنتقال إلى ذوق مكايل؟ عندما تتخذ فئة قرار بقفل فئة أخرى، فهي لا تقتل هذه الفئة فقط؛ بل تتجه إلى نهايتها المحتومة... هل فهمت ماذا أردت أن أقول يا سعيد؟...
لا تشارك في فعل القتل... هل نسيت ما حصل في الشهر الماضي، في تموز، في الصغر!... فكل من يعتقد أنه قادر على التحكم إلى الأبد في رقاب العباد، مآله إلى الزوال... فليتعقّل القادة المسيحيون، القتل يستجلب القتل... هذا ما أردت أقول لك يا سعيد، فاحترس يا صديقي"...
ما زال ظلّ الحرب الأهلية اللبنانية يلاحق اللبنانيّ، كشبح مخيف ومرعب، يحاول إدخاله في نفق اليأس، فيركض بعيداً عنه إلى مساحات من الأمل... حيث شمسه لا يغيب... رواية تحمل بما فيها من سرديات مشاهد تنفتح على تلك الفترة الزمنية التي هي الأسوأ في التاريخ اللبناني، يدفع الروائي بشخصياته التي تعطي صورة المواطن اللبناني الذي مثّل ضحية تلك الحرب، والتي حصدت الأخضر واليابس من الدروب والنفوس.
يمثل سعيد، الشخصية المحورية، تلك الإرادة القوية في تجاوز كل ما اعترض حياته على جميع الأصعدة: المهنية والباطنية والإجتماعية... ليحقق ذلك العهد الذي قطعه على نفسه... وإلى نهاية المطاف يتوجه إلى عنّايا وإلى تلك التلة برنقه جنى، تلك الحبيبة البعيدة وأصبحت قريبة.... وهو يزداد: "من عنّايا سنبدأ أنا وأنت أيضاً يا جنى...". إقرأ المزيد