رقصة الفستان الأحمر الأخيرة ؛ سبعة عقود من تاريخ العراق المعاصر عبر الغناء والموسيقى
(0)    
المرتبة: 34,934
تاريخ النشر: 06/04/2017
الناشر: منشورات المتوسط
نبذة نيل وفرات:ينفتح الحديث على آفاق بحث، يمتزج فيه التاريخي بالاجتماعي بالفني، فليس اعتباطاً أن يضع المؤلف عام 1921 بداية لاستعراض ملامح الموسيقى العراقية. فهو العام الذي بدأ فيه تشكل الدولة العراقية المعاصرة، وانطلاقاً منه، راحت طرقات التحديث تضرب – بقوة – على وقائع روحية ساكنة ومادية خابية ميّزت عقود السيطرة ...العثمانية على العراق. ومن تلك الوقائع الروحية كانت الموسيقى، والتي لم تكن تنتظم في تشكيل موح، انطلاقاً من عناصر عدّة، أولها عنصر التنوع البيئي، فثمة الجبال والسهول، وثمة البوادي والصحراء، وثمة المسطحات المائية الواسعة (الأهوار)، وثمة الأنهار، وإطلالة على البحر. وضمن كل محيط بيئي، كانت تنتظم جماعة إثنية (قومياً ودينياً)، ولكل منها استجابات تميّزها موسيقياً. هذا التنوع البيئي والإثني، أثرى أشكال الموسيقى العراقية، فموسيقى الجبال وسكانها (الكرد) كصياغات مقامية لحنية وطبيعية إنشاد صوتي وآلات موسيقية، هي ليست تلك التي تنتشر في منطقة، لا تكاد تبتعد عنها غير عشرات الكيلومترات، وهي منطقة أعالي البادية الغربية للعراق؛ حيث نمط الحياة البدوية وأنغامها الخاصة التي قد تبدو متشابهة مع باقي امتدادات البادية العراقية، ولكنها ليس متماثلة – تماماً – بالذات حين يخترق نهر الفرات جزءاً منها؛ لتغدو الأنغام، تركيبة، وتنسحب الرتابة النغمية المنفتحة على أفق ساكن متشابه، هو أفق الصحراء [...]
أن تقرأ سبعة عقود، تبدو – فعلياً – زمناً حقيقياً للموسيقى العراقية الموسيقى العراقية المعاصرة أمر يستحق التنويه إلى أكثر من جانب؛ كي يبدو البحث في موضعه الصحيح، توصيفاً ومنهجاً. فالمعنيّ بـ "الموسيقى العراقية" في هذا الكتاب، هو النتاج النغمي الذي عرفته الدولة العراقية المعاصرة، وتحديداً لسنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، حتى العقد الأول من القرن الحالي، فضلاً عن كونه معنياً (ليس إنكاراً، ولا إهمالاً)، بالنتاج النغمي (موسيقى وأغنيات)، الذي أخذ مداه في العراق – العربي، انطلاقاً من أن المؤلف، لم يشأ أن يخوض في بحث نتاج نغمي كردي، أو تركماني، أو كلود، آشوري، لا يبدو على معرفة "دقيقة" بجوانبه الفنية وإحالته الاجتماعية، لكن هذا لا يعني غياب أثر موسيقيين وملحنين، وغياب – من هذه الأصول الاجتماعية والثقافية والنغمية الحية – عن متن الكتاب، وموضوعه، لا سيّما أن "هوية وطنية" عراقية كانت مع دخول واعد للبلاد إلى الحداثة، هي السائدة والفاعلة، ما جعل تلك الأصول تنسج وجودها بهدوء وانسجام مع الأصول الأخرى، وسيجد القارئ أن كثيراً من أصحاب التجارب البارزة في نغم بلاد الرافدين المعاصر، هم من تلك المرجعيات القومية والثقافية والاجتماعية "غير العربية"، وحاضرون بقوة، في فصول الكتاب، وجوهره وفكره. وثمة عنصر واجب التنويه إليه، فالكتاب حين عنى بتتبع ألوان النقم الحديث؛ فإنه أدرك أن موضوعته لا اتصال بحثياً جوهرياً لها مع من نغمي قائم بذاته، هو "المقام العراقي، لكنه حاضر أيضاً، كفصل في الكتاب، تضمن قراءات لخبرات في الأداء والتلقي، والأثر النفسي والهوية النغمية العراقية، دون بحث تفصيلي، لا يبدو متساوماً على فكرة الكتاب، ومنهجه النقدي. كما أن من الضروري الإشارة إلى أن الكتاب ليس توثيقاً تاريخياً، ولا رصداً بيلوغرافيّاً، أو أرشيفاً، للنتاج الغنائي والموسيقي المعاصر في العراق، فإن القارئ قد لا يجد قراءات مفصلة، أو حتى ذكر لأسماء وتجارب يراها صاحبة نغم معين؛ حيث إن البحث ذهب إلى رصد الظواهر التي عنت بمحمولات اجتماعية، وكشفت عن تحولات ذوقية في الأداء والتلقي، وتحديداً موضوعات تتعلق برصد ملامح الحداثة في الحياة الموسيقية العراقية ونكوصها [1940 – 2015 ] بوصفها دلالات اجتماعية. ولأنه يرصد مؤشرات اجتماعية – ثقافية، فالكتاب لم يأخذ الترتيب الزمني، للموسيقيين والمطربين، بل رصد تفاعل تلك المؤشرات "السوسيولوجية" في نتاجهم، فقد يجد القارئ – على سبيل المثال – بحثاً لأبرز رائدين في الأغنية العراقية المعاصرة، وهما "الأخوان الكويتي"، ولكن؛ عبر تمثل أثرهما بعد نحو سبعين عاماً، كما انعكس في نتاج موسيقى لحفيد داود الكويتي، وقد يجد مطرباً وملحناً بارزاً بدأ تجربته في خمسينات القرن الماضي، لكنه ورد في فصل متأخر زمنياً، ولكن؛ في الموضع الذي بلغ فيه التأثير والنضج الفنّي الحاسم، وهذا كله وغيره جاء انطلاقاً من قراءة حديثة للنغم العراقي المعاصر، اجتهد المؤلف فيها، حتى مع كثير مما قد تلاقيه تلك القراءة من أهل الموسيقى والغناء، لا سيّما أنهم عرفوا الموسيقى، بوصفها دلالة صوتية، ولم يعهدوا تحليلاً اجتماعياً، ثقافياً لها. وثمة من قد يلاحظ غياب النتاج الموسيقي الغربي (الكلاسيكي منه أو المعاصر)، كما برعت فيه أسماء وتجارب عراقية، ذلك أن المؤلف قصد تأجيل بحث ذلك إلى كتاب آخر، يرصد فيه ذلك الاندراج الثقافي والروحي لموسيقيين عراقيين قاربوا الأنغام الغربية منذ باخ وصولاً إلى الروك.
وإلى هذا فإن الكتاب سيبدأ قراءته للنتاج النغمي العراقي، منذ أربعينيات القرن الماضي، ليتوقف عند الخمسينيات الهائل بنتائجه وظواهره الموسيقية والغنائية، ثم متوقفاً عند عقد الستينيات الذي شهد نهاية شكل الغناء المديني، وبدء مرحلة يسميها المؤلف "الغناء والحالم" الذي استغرق عقد السبعينيات بالكامل وظلّت أصدائه حاضرة إلى اليوم، ليفكك – بقوة – على وقع الطبول القمع الفكري في العامين 1978 – 1979 ثم وقع طبول الحرب في الثمانينات، ثم ليتابع مرحلة التراجع الفني في النتاج النغمي العراقي ضمن سياق أطلق عليه المؤلف عنوان"الموسيقى العراقية في نهاية القرن العشرين" والسياق ذاته، امتد كفعل اجتماعي – ثقافي في النتاج النغمي العراقي وصولاً إلى يومنا هذا. إقرأ المزيد