الأنوار المنيرة في تعاليم شيخ الجزيرة ؛ سيرة الشيخ أبو القاسم نصر بن فتوح
(0)    
المرتبة: 97,517
تاريخ النشر: 26/12/2016
الناشر: معرض الشوف الدائم للكتاب
نبذة نيل وفرات:يعدّ الشيخ أبو القاسم نصر بن فتاح أحد سادات وأشراف رجال الدين الموحدين العارفين من أهل الذوق ، والشوق والتجريد والإنفراد ، وهو الذي اجتمعت الإمامة على إمامته وكمال فضله . وأقوال السلف فيه كثيرة مشهورة ومصرّحة بورعه وكثرة مواقفه وقيامه بالحق ، وشدة تمسّكه به ، حتى لُقّب ...عند أعيان الشام بـ " العفيف " . وذلك كما ذكر المؤرخ الدمشقي صلاح الدين الصفدي في كتابه " أعوان النصر في تراجم أعيان النصر " . وكان الشيخ أبو القاسم يحب الصدق في القول والعمل ، ومما يُروى عن ذلك أن أحد الرجال سمعه يقول لرجل : كيف ولدك ، فقال : " يقبل يدك ، فقال : لا تكذب . وما أروع إجابته حين قيل له : أعندك خير من قد مضى ، فأجاب : [ فريق في الجنة وفريق في السعير ] [ الشورى / 42 ] . وقد قيل عنه أنه ما رؤي أحدٌ في كورة من الكور أعظم قدراً ولا أجلّ عند أهلها من أبي القاسم نصر بن فتوح ، فكان إذا خرج من الجامع الكبير اصطف الناس للسلام عليه ، ويحاولون تقبيل يده فيمنعهم من ذلك . لقد كان الشيخ أبو القاسم ينظر إلى الدنيا نظر الزاهد المفارق لها ، ولم يكن يتأملها تأمل العاشق الواثق بها ، فكان لا يضيع صحة جسمه ، وفراغ وقته بالتقصير في طاعة ربه ، والثقة بسالف عمله ؛ بل كان يجعل الإجتهاد غنيمته ، والعمل فرصته ، حتى أصبحت العادة حرفته ، والفقر مُنيته ، والعزلة شهوته ، والآخرة همته ، وجعل الموت فكرته ، وشغل بالزهد نيته ، وأمات بالذلّ عزته ، وجعل إلى الله عز وجل حاجته . وقد قيل له : رضي الله عنك ؛ فقال : كيف يرضى عني ، ولم أرضه ، حتى أطلق عليه لقب " بركة الشام " . لذلك قال المنادي عنه : هو من أكبر مشايخ الشام المجمع على جلالتهم ، ومن أصل التصريف ، وله أقوال معروفة ، ومكاشفات مشهورة ، حكاها شيخ الإسلام تقي الدين السبكي . فكان للموحدين كالظليم ، الذابّ عن فراخه ينفي عنهم المدر ، ويباعد عنهم الحجر ، ويحرسهم من الذئاب الضارية . يعود الشيخ نصر بن فتوح بأصله إلى قبيلة لخم العربية الأصيلة . ولد عام 352ه بقرية كانت تدعى الميدانية ، وكانت ضاحية من ضواحي دمشق القديمة ، تقع إلى الجنوب منها خارج أسوارها ، وتبتدىء من مسجد مصلى العيدين ( باب مصلى ) ثم تمتد إلى الجهة القبلية . قسمت الميدانية إلى ميدانين : الميدان الفوقاني ، وميدان الحصى ( أو التحتاني ) ويبدأ من باب مصلى ويمتد إلى الجنوب . وتبعد الميدانية عن القدم مقدار 185 م . نشأ الشيخ نصر في رعاية والده الشيخ فتوح . تعلم القرآن وحفظه ، فغدا متبصراً بالعربية ومعانيها ، كما صرف جُلّ همه إلى حفظ الأحاديث اللشريعة ، وتعمق في علم كما يرع في آداب السلوك ، وفاق شيوخ عصره فيها حتى رزق من القبول عند الناس ما لم يرزق غيره من العلماء ، والشيوخ ، وأقبل عليه التلاميذ والمريدون ينادون به ، ويأخذون عنه علوم القوم . قصد مصر لطلب العلم ، واستقر عند الشريف المقتنى بهاء الدين مدة يمتد منه ، ويستفيد ويتزود ويستزيد ، مما عاد من هناك إلا وهو على غاية من الورع والعفاف والصيانة ، يتفجر العلم من جوانبه ، وينطق بالحكمة من نواحيه ، مستوحشاً من الدنيا وزهوها ، مستأنساً بالإخوان ، يُسَرّ بهم ، فرضي يالله عنه وأرضاه ، وانتقل من ثم إلى محلة باب الصفير وأقام فيها . هذا وقد سميت أكبر قبة بالجامع الأموي بقبة النصر ، وتقود هذه التسمية لشيخ الجزيرة نصر بن فتوح حيث كان يلقي الدروس والمواعظ والعبر تحتها ، واتسع حينها مجلسه حتى صار يضم كبار رجالات الدولة ، وكبار العلماء والفقهاء آنذاك حتى عرفت باسمه . من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب " الأنوار المنيرة في تعاليم شيخ الجزيرة " نصر بن فتوح ، وهو يأتي في هذه الطبقة بحلّة جديدة ، وفيه يتحدث المؤلف عن هذا العالم ، الذي يحتل أحد قادة الفكر التوحيدي ، متحدثاً عن فكره ، أخلاقه ، أعماله ، وأقواله ، وعن أثره الطيب الذي تركه في أهل الشام آنذاك . وقد استقى المؤلف مادة كتابه هذا من قطع ونصوص مذكورة في كتب السير والتاريخ وكتب الطبقات ، والتراجم ، والأخلاق ، كما وفي كتب الفقه والكتب التي أُلفت في الإصلاح والدين ، والأخلاق ، والإجتماع ، وفي كتب الوعظ والتصوف ، كما وفي الكتب التي سجّل فيها المؤلفون خواطرهم وتجارب حياتهم وانطباعاتهم ، فجاء هذا الكتاب ثروة فكرية وعلمية زاخرة أغنى من خلال المؤلف المكتبة العربية والإسلامية والتوحيدية . إقرأ المزيد