في يمين المولى ؛ التعصب في ميزان التحليل النفسي
(0)    
المرتبة: 121,769
تاريخ النشر: 15/11/2016
الناشر: دار الجديد
نبذة نيل وفرات:كَـليل طويل حافلٍ بالكوابس مضى القرن العشرون. في سجلّ هذا القرن حربان كونيتان، وعشرات الملايين من القتلى، ومحرقة اليهود بجريدة أنهم يهود، ورفعُ الموت إلى مرتبة الصناعة الثقيلة، ومعسكرات الاعتقال، والحروب الاستعمارية، ومحو مدينتين كاملتين بلهب الذرة، وازدهار الإيديولوجيات المجنونة؛ وحدّث ولا حرج. نعم... في رصيد هذا القرن انفلات ...غير مسبوق للعنف، ولكن لابد من المسارعة إلى الإضافة أن كلّ هذا العنف إنما واكبه أيضاً تطور خارق، وغير مسبوق بدوره، في مجال العلوم والتقنيات.
على نهايات هذا القرن المضطرب، ومع انبلاج القرج التالي، انتقشت الآمال بدخول البشرية عصراً جديداً لا محلّ فيه لهذه الهجمية. ولكن هيهات.. رغم أنّه لم ينقضِ من هذا القرن إلّا الأقلّ، حقّ على الجميع لبس السواد حداداً على تلك الآمال. فما هي أن انطوت صفحة المواجهات الكونية الأشبه بالساعة وقيامها، حتى ازدهرت سوق الحروب المحليّة؛ أي تلك التي توصف بـ "النزاعات ذات المدّة المتديّنة" وهي حروب لا إحصاءً عليها دقيقاً لعدد ضحاياها. وماهي أن خَفَت جنون التوتاليتاريات وماسفكته من دماء، حتى وضعت "الرحم الولّادة" وحوشاً جدداً يصعق الواحد لمرآهم ولما تأتيه أيديهم، على أنّه لابدّ للواحد أقله لمرة واحدة، من أن يتغلب على تأبيه واشمئزازه، ذات الإخراج المدروس، التي ينتجها أولئك الوحوش: على خلفية سماء زرقاء صافية، مجموعة من الرجال، بثياب برتقالية، يُذبَحون على يَدِ جزارين متّشمين بالسواد، ثم تُفصل رؤوسهم عن أجسادهم، ويراد للمشاهدين المستهلكين لصور العنف هذه، التسليم بأن هذه الصور إنما توثّق شعيرةً دينية!
إنّ العشرات، بل المئات، بل الآلاف، بمن فيهم كثير من العرب، يلاقون هذا المصير، أو ما يعادله، وذلك باسم عقيدة سرها الموت ولحمتها، وبجريرة ما تنسبه اليهم هذه العقيدة من كُفرٍ فطري. نعم، لابد للواحد أن يتغلب على اشمئزازه أن يحدّق فيرى بأم العين كيف تتحول الرمال الذهبية من أحد الشواطئ التونسية بغير كلالة إلى حقل رماية وساحة جريمة. إنه كذلك حتى ليوحي هذا الصنف من الفتل اليدوي الحِرفيّ المتتابع بغير كلالة أنه خليفة القتل الذي رفع يوماً إلى مرتبة الصناعة الثقيلة، أما الأغرب، فإن هذه الفظاعات التي يفترض المرء أن تستدعي انكارها، والرفض القاطع لها، تستثير في نفوس البعض تأثيراً معاكساً، فتخلب وتستهوي عوض أن تُجفّل وتنغّر, ولو لم يكن الأمر كذلك، فكيف إلى تفسير التحاق عشرات الآلاف، من كل فجّ عميق، تطوعاً بركاب هذه المغامرة الهجمية القصوى؟ إن النوازع والهواجس البشرية المستترة في الأكثر الأعم عن الوعي؛ هي المنطلق الذي تنطلق منه الأحداث السياسية أو التاريخية لتأخذ مداها. وبما أن المحفزات على هذا الشرّ خارجة في جزء منها عن الوعي، رأى المؤلف أنه من المناسب استعانته بالتحليل النفسي والاقتناع بضرورة توسّله به لفهمها، على غير انتظار ساذج بأن يثمر هذا الفهم ثماراً عملية سريعة. وعليه، فإن ما تبين له أن نفسية كل كائن بشري هي ما يتحصّل من التقاء هذا الكائن [ك] ذي السيرة والبنية الغرائزية الخاصتين به، بما يسميه لا كان "الآخر الآخر" [آ آ] الذي تمثّل الأم صورته الأولى، والذي يكاد أن يستحيل على الكائن الإفلات من جبروته. إن هذا "الآخر الآخر"، وهو باللغة اللاكانية، مخاطُبُ الكائن ومقصده ومعقِد رغباته، لايني يَشُعّ، من خلال خطابه، على نفسية الكائن، وهذا ما لخّص لاكان بالقاعدة التالية: [ ك (آ آ) ]. للحيلولة دون سترها [ك] من طرف "الآخر الآخر" لا بد من أن يعجب حاجبٌ ما بينهما بحيث تتحول المعادلة من [ ك (آ آ) ] إلى [ ك / آ آ ] إن هذا الحاجب [ / ] الذي اقتضى من المؤلف التوسع في بيان طبيعته هو الغائب، والمفقود والناقص، في نفسية المتعصب. بناء عليه فإن الإحاطة بنفسية المتعصب تطلبت منه مقاربة مزدوجة؛ في المحلّ الأول تطلبت هذه الإحاطة فحص بنية "الآخر الآخر" وخطابه الذي يشع على نفسيته الكائن المعنيّ [ك] وهذا ما تفرّغ له القسم الأول من هذا البحث بصياغته القوانين العامة التي تحكم على التعصب باعتبار أن خطاب التعصب مهما اختلف نبراته هو في النهاية هو. أما في القسم الثاني، فقد تتطلب الإحاطة فحصاً لبنية الكائن [ك] المسترهن لخطاب التعصب وهو ما عالجه الباحث في هذا القسم. إقرأ المزيد