تاريخ النشر: 11/07/2016
الناشر: منشورات الجمل
نبذة نيل وفرات:يقع ديوان صفي الدين الحلّي في ثلاثة مجلدات ، وذلك بحسب المصادر التاريخية التي ترجمت له من معاصريه . قال الصفدي في " أعيان العصر " ، وكذلك في " الوافي بالوفيات " : و ديوانه يدخل في مجلدين كباراً أو ثلاثة صغار ، وكله منتخب " ، وثنى ...ابن شاكر الكتبي في " فوات الوفيات " على كلام الصفدي فقال : " وديوان الذي دوّنه بنفسه ثلاث مجلدات وكله جيد " أما ما صدر منه حتى الآن فكان لا يصل في بعض طبعاته إلى نصف شعره . ولد صفي الدين الحلّي سنة 677ه / 1278م في مدينة الحلّة العراقية ، محافظة بابل حالياً . وفي العام 700 - 701 ه وقعت فتن وحروب أهلية بين قبيلته والقبائل الأخرى المجاورة اشترك فيها وكان في الثالثة والعشرين من عمره . هذا كان له تأثيره عليه وعلى شعره ، إذ كان يشعر باغتراب مركّب من محيطه الإجتماعي ، وبانشقاق بالوعي دفعه إلى مغادرة " جنة الشياطين " ، كما أطلق على مدينة الحلّة ، إلى منفى إضطراري يشبه - شرقي عدن " . فهو يصف مدينته الحلّة :
ما شأنها غيّر بغي الجاهلين بها ... كأنها جنّةٌ فيها شياطين . وحقاً كان الحلّي من العقول الكبيرة في عصره وقرنه ومدينته . كان الحلّي في تكوينه النفسي وكذلك في طريقته الشعرية ينوس بين الشخصيات ذات العنفوان النفسي ، وفخامة الديباجة في البناء الشعري ، خاصة شعراء العصر العباسي كالمتنبي والطفراني ، وابي فراس الحمداني ، وبين الشخصيات الساخرة العابثة المتهتكة في العصر نفسه كأبي النواس وإبن حجّاج وأبو حكيمة وإبن سكرة . فهو في النهار بشخصية ، وفي المساء شخصية أخرى :
فنهاري جليس ليث عربي .. ومسائي ضجيع ظبي كناسي / فأناسٌ نقول : يا بافراسٍ .. وأناسٌ تقول : يابا نُواسي . كان الحلّي شاعراً مكثراً ، والشعر سلوكه اليومي فقد كتب شعره ليس على الورق فحسب ؛ بل على الأبواب والدروع وعلى أجساد الكلمات وشماً مستعاراً من بيتين أو ثلاثة : وعبّر بالشعر عن معرفته بالطب والتنجيم وعالم الطيور ومختلف الحيوانات ، وأجاد في التلفيز ، وفي علم العروض والقافية ، وفي استعراض براعته في الكتابة المرآتية المعكوشه ، بعبارات مقلوبة .. وفي شعره نزعة باروكية تزيينية واضحة ، تعتمد على حشد المضامين والأفكار وشحتها بمستوى بلاغيّ مضخّم ، وربما مبالغ به أحياناً ، هذا وعلى الرغم من هجائه لإبن المعتز إلا أنه ينتمي لروح تلك المدرسة البديعية والتزويقية واللبّ الحرّ في فضاء البلاغة ، فشعره مستودع فخم مزدحم بالإستعارات والمجازات ، والتشبيهات المبتكرة ، والطباق ، والجناس ، والتورية ، والإقتباس ، وكل أنواع البيان والتذويق اللفظي : كما أن في شعره وعياً معرفياً وان بدا نافراً أحياناً ومبالغاً فيه ، فقد جمع معارف وعلوماً مختلفة في الفقه والحديث والقرآن والتاريخ ، والأمثال ، والتصوف ، والفلسفة ، ووظّفها على نحوٍ واضحٍ في قصائده . هذا ويمكن أن يتسم شعر الحلّي بأغراض مختلفة إلى مستويين فتبيّن أساسيين الأول : شعره في مديح " بني الأرتق " والمدح بشكل عام . أما المستوى الثاني في شعره فهو شخصي ، يعبر عن روح حقبة زمنية ، وحياة القاع ، وما تحت القاع من العالم السفلي ، ويتمثل في خمرياته ، وأشعار مجونه ، وكذلك أشعاره الملحوفة الواردة في " العاطل الحالي " ، وقد طال الحذف هذا الجانب كله أو أغلب فصوله في جميع التحقيقات المنشورة لديوانه لذا فإن التجربة الشخصية للحلّي وروح عصره في الحياة الإجتماعية ، تتضح من خلال هذا المستوى الذي يحاول المحقق في مقدمة هذا الديوان تسليط بعض الضوء عليه ، نظراً لكونه المستوى المغيّب الذي طاله الحذق في المنشورات المطبوعة من ديوانه لأكثر من قرن . هذا من ناحية ، ومن ناحية ثانية ، فإن ديوان الشاعر الحلّي لم يحقق تحقيقاً يجمع بين الرصانة الأدبية والأمانة العلمية ، رغم تعدد التحقيقات والطبعات ، ولهذا لم يصدر الديوان بنصوصه الصحيحة الكاملة في أي من تلك الطبعات منذ صدور طبعته الأولى في دمشق في العام 1880م. وأمام هذا التجني على تراث الشاعر في طبعات الديوان المتعددة ، جعل المحقق في عمله هذا طبعة دمشق مصدراً وحيداً من بين جميع الطبعات لديوان الحلّي ، إلى جانب المخطوطات ، بوصفها الطبعة الوحيدة قبل صدور تحقيقه هذا ، التي أوردت جميع النصوص التي أغفلتها طبعات القرن العشرين وعصور النهضة والحداثة ، متّبعاً في تحقيق الشعار منهجاً يقوم على المقارنة بين النسخ المتعددة من المخطوطات والمطبوعات ، ليختار منها على اختلاف روايات الأبيات : الأصح ثم الأنسب ، فالمناسب ، طارحاً ما رآه غير مناسب مع الإشارة لكل ذلك في الهوامش ، مثبّتاً نصوصاً لم ترد في نسخة ما من المخطوطات ، مع أنها وردت في نسخة أخرى ، وليضعها في المكان الذي وردت فيه مع الإشارة إلى ذلك . بالإضافة إلى ذلك ، التزم المحقق في التحقيق ترتيب البواب الإثني عشر ، كما وزعها الحلّي ، أما عناوين القصائد فكانت من عمله ، فقد اختارها أما بنص جملة وردت في القصيدة ، أو بالمعنى الإجمالي الذي تعبّر عنه القصيدة ، مورداً شرح أبيات البديهية لما شرحها الحلّي نفسه بيتاً بيتاً . هذا وقد عمد المحقق أيضاً إلى إضافة للديوان مستدركاً على ديوانه . وقد قسمها إلى ثلاثة أقسام ، الأول : الأشعار المعروفة بالنسبة إليه . والقسم الثاني : الأشعار التي نسبت له ولغيره من الشعراء . أما القسم الثالث فقد خصصه لأزجاله ، خاصة وإن الشاعر الحلّي كان قد دوّن تلك الأشعار في مخطوطة أخرى لم يتضمنها الديوان . وأخيراً قام المحقق ، وإتماماً لعملية التحقيق هذه ، بتخريجك الأبيات المضمنة والشواهد الشهرية في الهوامش ، و هي كثيرة بسبب الثقافة الواسعة للحلّي ، وذلك لشرح الفرض من تلك الإستخدامات البيانية وتبيان علاقته المعرفية بالنصوص السابقة . إقرأ المزيد