شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين
(0)    
المرتبة: 78,020
تاريخ النشر: 01/01/2002
الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات
نبذة نيل وفرات:عاش الإمام علي زين الدين العابدين بن الحسين في الربع الاخير من القرن الأول الهجري في مدينة الرسول (صلى الله عليه وسلم) التي أحبته كلها، وتسايرت الركبان بذكره وفضله، قد تواضع فارتفع، وأحبّ ضعاف الناس، فأحبه كل الناس. رجل امتلأ قلبه إيماناً، وأشرق نوره على وجهه روعة وجلالاً. كان ...للفقراء مواسياً، وعلى اليتامى حانياً.. وكان شديد البكاء، كثير الحسرات، لأنه عاش بعد أن قتل الأحبة من أهل بيته. وأنه في وسط الأحزان والآلام النفسية نبعت الرحمة منه، ويفيض سماحة وعفواً، و تروي الأعاجيب عن سماحته وعفوه. وكان فضلاً عن ذلك كله واسع العلم، فكانت له مؤلفات كثيرة، وكتابه هذا رسالة الحقوق كتاب يعكس صفات و أخلاق الإمام زين العابدين وسعة علمه وتبحره، وزهده وورعه.
فرسالته هذه الذي تم شرحها في هذا الكتاب هي رسالة يفيض بها الوجدان روعة وجلالاً، ويمتلئ بها القلب طمأنينة وإيماناً، وتثير في الأسماع بهجة ورضاُ، وتحرّك في النفوس عواطف وأحاسيس، وهي إلى ذلك رائد الفكر الإنساني، وسجل المعرفة، وفوق ذلك كله أنّها الوسيلة لفهم الإنسان نفسه ومافطرت عليه من مواهب ونزعات. وهي كذلك مقومة الأخلاق ومقدرة القيم، والمشرق الاعلى على كل منازع الناس وتطوراتهم في علومهم بلا شريك، لأنه وحده المستحق أن يُعبد دون غيره. ومثل هذه العبادة تهيمن على الشعور والسلوك، فهي منهج كامل للحياة يشمل تصور الإنسان لحقيقة الألوهية وحقيقة العبودية، ولحقيقة الصلة بين الخلق والخالق، ولحقيقة القوى والقيم في الكون وفي حياة الناس.. ومن ثم ينبثق نظام للحياة البشرية قائم على ذلك التصور، فيقوم منهج للحياة خاص. منهج رباني مرجعه إلى حقيقة الصلة بين العبودية والألوهية، وإلى القيم التي يقررها الله للأحياء والأشياء.
وفي هذا الخط العريض نرى الإمام (رضي الله عنه) يدعو إلى العبادة التي تتخلص فيها الديانة السماوية على الإطلاق. يدعو إلى العبادة بإخلاص فقد تكون العبادة ولا يكون معها الإخلاص، وهذا اللون من العبادة غير نافع؛ إنما الإخلاص والعزم والجدّ والمثابرة – هذا كله – هو المدار في كل الأعمال والعادات وغيرها من الأمور.
وإلى هذا فإن حقيقة العبادة تتمثل لدى الإمام زين العابدين في أمرين اثنين: الأول: هو استفقرار معنى العبودية لله في النفس، أي استقرار الشعور على أنّ هناك عبداً، وربّاً، عبداً يعبُد، ورباً يُعبَد، وأن ليس وراء ذلك شيء.. ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود، وإلا ربّ واحد والكل له عبيد. والثاني: هو التوجه إلى الله بكل حركة في الضمير، وكل حركة في الجوارح، وكل حركة في الحياة. التوجه بها إلى الله خالصة، والتجرد من كل شعور آخر، ومن كل معنى غير معنى التعبّد لله، ومعارفهم وسلوكهم، وسائر اتجاهاتهم العقلية والسياسية والاجتماعية.
إنّها رسالة تهدي للتي هي أقوم، في التنسيق بين ظاهر الإنسان وباطنه، وبين مشاعره وسلوكه، وبين عقيدته وعمله، فإذا هي مشدودة إلى العروة الوثقى التي لا تنفصم، متطلعة إلى الأعلى، وهي مستقرة على الأرض، وإذا العمل بها عبادة متى توجه الإنسان به إلى الله، ولو كان هذا العمل متاعاً واستمتاعاً بالحياة.. إنّها رسالة تهدي للتي هي أقوم: في علاقات الناس بعضهم ببعض، أفراداً وأزواجاً، وحكومات وشعوباً، ودولاً وأحباشاً. تقيم هذه العلاقات على الأسس الوطيدة الثابتة التي لا تتأثر بالرأي والهوى، ولا تميل مع المودة، والشنآن، ولا تصرفها المصالح والأغراض.
إنّها رسالة تهدي للتي هي أقوم: في عالم الضمير والشعور بالعقيدة الواضحة البسيطة التي لا تعقيد فيها ولا غموض، والتي تطلق الروح من عقال الوهم والخرافة، وتوجه الطاقات البشرية الصالحة إلى العمل والبناء، وتربط بين نواميس الكون والطبيعة ونواميس الفطرة البشرية في تناسق واتساق. واذن هي سياج حقوق البشر كلها؛ بل هي من أهم أركان الرقي والعمران والقانون. وعلى سبيل المثال يقول الإمام زين العابدين في مبحث استهل به رسالته هذه والذي جاء تحت عنوان: "حقّ الله" والذي هو أعظم الحقوق وأجلها، فلذلك يجب أن يؤدي كاملاً، بأن يُعبد وحده دون سواه. والعبادة ليست طاعة القهر والسخط، ولكنّها طاعة الرضا والحب، وليست طاعة الجهل والغفلة، ولكنها طاعة المعرفة والحصانة.. إنّ العبادة شعور مكتمل العناصر، يبدأ بالمعرفة العقلية، ثم بالانفعال الوجداني، ثم بالنزوع السلوكي.. فالصورة الأخيرة ثمرة ما قبلها. وهذا هو الوضع الصحيح لإقامة الصلاة، ولإيتاء الزكاة، وإحسان الخلق وقول الحق، وسائر العبادات الأخرى.
إنّ العبادة الأولى في الإسلام؛ في معرفة الله معرفة صحيحة، والعقل المستنير بهذه المعرفة، هو القائد الواعي لكل سلوك صحيح والأساس الملبن لكل معاملة متقبلة.. ويوم تتلاشى هذه المعرفة من لبّ الإنسان.. فلن يصح له دين، ولن تقوم له فضيلة.. [...] هذا غيض من فيض هذه الرسالة التي هي نور العدل في الملك.. ونور الإيمان في الدين.. ونور الصدق في العمل.. ونور الحياة الحقّة في الأمة... وإلى هذا فقد أغنى الشارح هذه الرسالة بشروحه التي جاءت موضحة ومفصلة، ومسلطة الضوء على الرائع من المعاني الوجدانية والإيمانية والخلقية والاجتماعية والإقتصادية.. التي حفلت بها هذه الرسالة. إقرأ المزيد