مقدمة ابن خلدون وهي الجزء الأول من كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر
(0)    
المرتبة: 15,715
تاريخ النشر: 01/01/2015
الناشر: دار إحياء التراث العربي، مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة المؤلف:دوَّن الناس في الأخبار وأكثروا، وجمعوا تواريخ الأمم والدول في العالم وسطروا، والذين ذهبوا بفضل السهرة والإمامة المعتبرة، واستفرغوا دواوين من قبلهم في صحفهم المتأخرة، هم قليلون لا يكادون يجاوزون عدد الأنامل، ولا حركات العوامل، مثل ابن إسحاق والطبري وابن الكلبي ومحمد بن عمر الواقدي وسيف بن عمر الأسدي وغيرهم ...من المشاهير، المتميزين عن الجماهير، وإن كان في كتب المسعودي والواقدي من المطعن والمغمز ما هو معروف عند الأثبات، ومشهور بين الحفظة الثقات، إلا أن الكافة اختصتهم بقبول أخبارهم، وإقتفاء سننهم في التصنيف وإتباع آثارهم، والناقد البصير قسطاس نفسه في تزييفهم فيما ينقلون أو إعتبارهم، فللعمران طبائع في أحواله ترجع إليها الأخبار، وتحمل عليها الروايات والآثار.
ولما طالعت كتب القوم، وسبرت غور الأمس اليوم، نبهت عين القريحة من سنة الغفلة والنَّوم، وسمت التصنيف من نفسي وأنا المفلس أحسن السوم، فأنشأت في التاريخ كتاباً، رفعت به عن أحوال الناشئة من الأجيال حجاباً، وفصَّلته في الأخبار والإعتبار باباً باباً، وأبديت فيه الأولية الدول والعمران عللاً وأسباباً، وبنيته على أخبار الأمم الذين عمَّروا المغرب في هذه الأعصار، وملأوا اكناف الضواحي منه والأمصار، وما كان لهم من الدول الطوال أو القصار، ومن سلف لهم من الملوك والأنصار، وهما العربُ والبربر، إذ هما الجيلان اللذان عُرِفَ بالمغرب مأواهما، وطال فيه على الأحقاب مثواهما، حتى لا يكاد يتصوَّر فيه ما عداهُما، ولا يعرف أهله من أجيال الآدميين سواهما، فهذبت مناحيه تهذيباً، وقربته لأفهام العلماء والخاصَّة تقريباً، وسلكت في ترتبيته وتبويبه مسلكاً غريباً، واخترعته من بين المناحي مذهباً عجيباً، وطريقة مبتدعة وأسلوباً، وشرحت فيه من أحوال العمران والتمدن وما يعرض في الإجتماع الإنساني من العوارض الذاتية ما يُمتِّعُكَ بعلل الكوائن وأسبابها، ويعرفك كيف دخل أهل الدول من أبوابها، حتى تنزع من التقليد يدك، وتقف على أحوال ما قبلك من الأيام والأجيال وما بعدك، ورتبته على مقدمةٍ وثلاثةٍ كُتُبٍ: المقدمة: في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه والإلماع بمغالط المؤرخين، الكتاب الأول: في العمران وذكر ما يعرض فيه من العوارض الذاتية من الملك والسلطان والكسب والمعاش والصنائع والعلوم وما لذلك من العلل والأسباب، الكتاب الثاني: في أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدأ الخليقة إلى هذا العهد، وفيه من الإلماع ببعض من عاصرهم من الأمم المشاهير ودولهم مثل النَّبَط والسريانيين والفرس وبني إسرائيل والقُبْطِ واليُونان والرُّوم والتُّرك والإفرنجة.
أما الكتاب الثالث: في أخبار البربر ومن إليهم من زناتة وذكر أوليتهم وأجيالهم وما كان بديار المغرب خاصة من الملك والدول، ثم كانت الرحلة إلى المشرق لإجتناء أنواره، وقضاء الفرض والسنة في مطافه ومزاره، والوقوف على آثاره في دواوينه وأسفاره، فأفدت ما نقص من أخبار ملوك العجم بتلك الديار، ودول الترك فيما ملكوه من الأقطار، واتبعت بها ما كتبته في تلك الأسطار، وأدرجتها في ذكر المعاصرين لتلك الأجيال من أمم النواحي، وملوك الأمصار والضواحي، سالكاً سبيل الإختصار والتلخيص، مفتدياً بالمرام السهل من العويص، داخلاً من باب الأسباب على العموم إلى الأخبار على الخصوص فاستوعب أخبار الخليقة إستيعاباً، وذلل من الحكم النافرة صعاباً، وأعطى لحوادث الدول عللاً وأسباباً، فأصبح للحكمة صواناً، وللتاريخ جراباً. إقرأ المزيد