تاريخ النشر: 01/01/1988
الناشر: عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:مؤلف هذا الكتاب "معاني القرآن وإعرابه" هو أبو اسحق إبراهيم بن السرّي بن سهل، غلب عليه اسم الزجّاج لأنه كان أول حياته يحترف خراطة الزجاج، فهو لقب مهنته، اتصل بمجلس ثعلب لتوق نفسه للتعلم ومعرفة اللغة وظلّ يستفيد منه حتى وفد المبرّد على بغداد واتخذ له حلقة في المسجد ...فإنتقل إلى حلقة المبرّد وترك ثعلباً.
يوصف الزجاج في كتب التراجم بأنه كان من أهل الدين والفضل حسن الإعتقاد جميل المذهب، وكان من أتباع الإمام أحمد بن حنبل، كان آخر ما قاله وهو على فراش الموت: "اللهم احشرني على مذهب أحمد بن حنبل"...
وفي كتابه هذا "معاني القرآن" مواضيع كثيرة تفصح من قوة إيمانه، وثبات عقيدته، وإستعداده للدفاع عن الإسلام، كما يبدو تورعه في تحذيره من قراءة لم ترد وإن كانت اللغة تجيزها؛ عاش الزجاج في القرن الثالث الهجري، وفترة من أول القرن الرابع - وهذا الزمن الذي عاش فيه يعتبر من أخصب العصور الفكرية في التاريخ العربي.
كان الزجّاج من نابغي مدرسة المبرّد، متفوق في درس اللغة تفوقاً ملحوظاً، وإستشهاداته الشعرية في كتابه "معاني القرآن" تدل أيضاً على سعة روايته للشعر، وقد تعمق دراسة النحو وانفرد بمذهب خاص فيه، ولم يدرس قراءات القرآن الكريم ورواياته، ولكنه ألمّ بقراءات اللغويين ومنظمها شواذ، لهذا فهو يتردد في غير موضع فيقول: بجوز في هذه الآية كذا وكذا إن كان قرئ به، أو هذا ما تجيزه اللغة ولا تقرأن به حتى ثبتت رواية صحيحة رواية صحيحة أنه قرئ به هكذا.
وقد ذكر أنه اعتمد في القراءات التي أوردها على ما روى عن أبي عبيد القاسم بن سلام، ومهما يكن من شيء فالزجّاج نحويّ كبير ولغوي كبير، وله تلاميذه ومدرسته كما له أثره في ثقافة عصره، وقد ترك مؤلفات عديدة وقد يكون على رأسها هذا الكتاب "معاني القرآن" من أهم آثار الزجاج، وكتّاب التراجم يضعونه دائماً في رأس القائمة من كتبه.
والإسم الكامل لهذا الكتاب "معاني القرآن وإعرابه"، مما يؤذن أن إعراب القرآن الكريم قسيم للمعنى في عمله، وقد قال في المقدمة "هذا كتاب إعراب القرآن الكريم ومعانيه"، فقدم الإعراب على المعنى، كما في قوله: "وإنما نذكر مع الإعراب المعنى والتفسير لأنه كتاب الله تعالى ينبغي أن يتبين ألا ترى أن الله عزّ وجلّ يقول: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ﴾... فَحُضِضْنا على التدبر والنظر...
استغرق الزّجاج في تأليف هذا الكتاب نحو ستة عشر عاماً، بدأ يمليه سنة 285هـ، وانتهى منه في سنة 301هـ، أي قبل وفاته بنحو عشرة أعوام، ومنهجه في تفسيره؛ إنه يبدأ عقب ذكر الآية القرآنية بإختيار ألفاظ منها ليحللها على طريقته هو في الإشتقاق اللغوي، فيذكر أصل الكلمة والمعنى اللغوي الذي تدل عليه، ثم يورد الكلمات التي تشاركها في حروفها أو بعضها ليردها جميعاً إلى أصل واحد، ويستشهد على رأيه بما يؤيده من كلام العرب شعراً أو غير شعر، وقد يستطرد فيشرح الأمثلة التي يستشهد بها، ثم يعود لإعراب الآية؛ إن كان فيها ما يحتاج إلى إعراب.
والزجاج بغدادي أدنى إلى مذهب البصريين - لأنه تلميذ المبرد - فهو في شرحه يجري غالباً على مذهب أهل البصرة، ولكنه في بعض الأحيان يؤثر مذهب الكوفيين ويجري عليه، ثم له هو مذهبه الخاص الذي كثيراً ما يكون مرفوضاً من الآخرين.
وعلى أي حال، فالزجاج هو معتمد على نفسه كل الإعتماد فيما يتعلق باللغويات والأعاريب، أما ذكر المعنى الذي لا يتوقف على شرح لغوي، فكان يرجع فيه إلى المفسرين، وكثيراً ما يلجأ إلى القرآن الكريم نفسه فيستعين بآية على شرح أخرى.
كان كتاب الزّجاج هذا متداولاً بكثرة في حياته وبعد موته، وإذا كان الزجاج قد جعل همه الأول هو الناحية اللغوية متحملاً وحده مسؤوليتها، وألقى على المفسرين مسؤولية التفسير النقلي، فإنه لم يتخل عن الدفاع عن الإسلام وشرح بعض مسائله، فهو أفاض في شرح مسائل من الميراث ودافع ضدّ الرافضة والشيعة دفاعاً يستحق التقدير، إذ لم يدع لهما منفذاً ولا وجهة نظر يؤيدان بها آراءهما، وكنه حتى في دفاعه هذا معتمد على اللغة وإستخراج وقائعها، وقدرته على إقحام هؤلاء ترتكز على أسس من اللغة أكثر مما تعتمد على أي شيء آخر.
وتجدر الإشارة إلى أن المحقق أغنى هذا الكتاب بمقدمة تحدث فيها عن الزجاج وعصره ونشأته ومكانته العلمية وأساتذته، وتبع ذلك حديث عن الكتاب ومنهجه والمآخذ عليه، بالإضافة إلى وضعه لهوامش تضمنت شروحاً لبعض ما كان غامضاً نحواً أو معنىً، وتراجم للأعلام الذين جاء ذكرهم في المتن، وتوثيق لما ورد من أبيات شعرية وغيرها. إقرأ المزيد