تاريخ النشر: 08/08/1997
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:"غاب الحكيم هذه المرة، ولكن "أساروف" جاء إلى جوار "أمّامّا" فرأى كيف يعلو رأس أحدهما ويجتاز رأس قرينه بمسافة عمامة، ولكن رأس القرين الآخر يعود فيتفوق، ويرتفع عن رفيقه بنفس المسافة، فتذكر أن هذا الوضع يسمى في لغة الشعر "أميسرّ اسن"، عندما يتساوى القرناء في طول القامة، ويجعلها الخطو ...المستمر يتفاوتان، كأنهما يتسابقان في الصعود إلى السماء. أقبلوا مع العشية. لم يقبلوا عليه في خلاء الحمادة الغربية. كما أقبلوا عليه يوماً، ولكنهم أقبلوا عليه في البيت الذي اختاروه في ذلك اليوم البعيد. أقبلوا عليه فأدرك، في الحال لماذا أقبلوا. أدرك اليوم السرّ الذي لم يدركه يومها بحدس الشاعر، ذلك الحدس النبيل، الغض اللذيذ، الذين جاءوا ليأخذوه منه في ذلك اليوم، فخنقوه في صدره إلى الأبد. خنقوا في قلبه الشعر، في ذلك اليوم المشئوم، فاختنق، وظل يحاول أن يتنفس، أن يلتقط الهواء، أن يستعيد طائره المفقود، فكان يشهق طوال هذا الزمان. يشهق بصوت فاجع، كمن ينتحب ويقاوم البكاء، لأن الإنسان إذا اختنق، ولم يجد سبيلاً ليلتقط الهواء لا يملك غير البكاء. والرغبة الأبدية في أن يتنفس، في أن يستعيد طائره الضائع، هي التي جعلته ينسى المراسم التي رسمت له ويغفل عن ناموس الزعامة، فارتكب خطيئة أخرى. خطيئة رأى الأكابر أنها لا تليق بالزعيم، فتنادوا، وتشاوروا وقرروا، فأقبلوا. كان يعرف ماذا سيقولون هذه المرة. الزمان أخذ الحياة حقاً، ولكنه منحه، بالمقابل، تميمة صغيرة صغيرة أطلق عليها الناموس أسماء كثيرة: التجربة، العقل، الحكمة. بهذه التميمة يستطيع أن يقرأ النبوة. نعم. سيقولون أن هذا لا يليق. سيقولون أن حياة الزعيم هي حياة الزعيم هي حياة القبيلة، ولا يليق بالزعيم أن يدخل بيته الشاعرة قرنية بعد أن بلغ من العمر عتياً. سيقولون أن قدر الزعيم هو أن يضحي حرصاً على مصير القبيلة، يضحي بالسعادة، كما ضحّى بالعزلة، كما ضحّى بالشعر يوماً. سيقولون أن الإنسان إذا دخل خباء الزعامة، فعليه أن ينسى الحب، كما نسي العزلة، كما نسي الشعر يوماً. في خباء الزعيم لا مكان لأي وهم، والحب وهم. الحب وهم كبير، الحب أكبر وهم".
كما الخباء، كذلك هو عالم إبراهيم الكوني، تدخل فيه وكأنك تدخل عالم مسحور مليء بالرموز والغموض، تغرق فيه وأنت مفتون بمقدرة الكاتب على اختراق الذات الإنسانية، موغلاً في أعماقها، راصداً وبشفافية اندفاعاتها وتأولاتها، ومحيلاً ذلك وبلغته الرمزية إلى استرسالات فلسفية موضوعة ضمن تركيبة روائية، مؤداة من خلال شخصيات رائعة في مونولوجاتها الداخلية. وفيما ترمز إليه. فأبطال روايته، وهم على ما يمثلون من أدوار، هم نتاج تلك الصحراء المفعمة بالحكمة والمأسورة بالتأمل، والطافحة بالصمت البليغ. تتابع الأحداث في واو الصفرى في فضاء واسع كالصحراء التي لا ينمو فيها إلا الإحساس بالعزلة والفردية... ففي الرواية الكثير من الدلائل التي تشير إلى أن الشخصيات تحاول، من خلال وجودها الفردي وعزلتها في الصحراء أن ترتبط بالأرض ارتباطاً رحمياً أشبه ما يكون الارتباط بالعودة إلى كهفية زمنية-مكانية، أي أن الشخصيات انفصلت عن الأم الأولى، ثم حاولت، من خلال السرد، العودة إلى الرحم، أي الطبيعة، وهذه العودة بالضرورة عودة سيكولوجية. إقرأ المزيد