تغاريد طائر الخريف ؛ رواية سير ذاتية
(0)    
المرتبة: 384,932
تاريخ النشر: 01/01/2015
الناشر: دار الفارابي
نبذة نيل وفرات:ليس سهلاً أبداً أن يترمّل رجلٌ في الستينيات من العمر! إن يفقد شريك الحياة: الزوجة الأم، رفيقة الدرب، ربة المنزل، حبيبة الزمن الجميل: أيام الشباب وعنفوانه وتفتحه، محطّ الأماني والأحلام والآمال؛ موئل القلب المولع، توتر الرغبة والشغف والوصال، حالات العشق المتنامي في أحضان الخيبة، صراع التمني الحالم مع مرارة ...واقع متأزم يائس، دموع الشوق، وحزن القلب والروح في عهد الشدّة والعتمة وضيق الآفاق وإنسداد الدروب.
تلك هي خريطة العمر الممهورة بالأسود والأحمر والأصفر... ذلك هو حصاد السنين، وسطوة القدر... ومواجهة النهايات المحزنة... هاجس المعرفة يقضّ مضجعي... يرفع في وجهي سيف الوقت، يسلب كسل الراحة، وترف الإسترخاء، وشرود الخيال، من عقلي وجسدي... يهيب بي في حلمي ويقظتي!!! أقرأ... أقرأ وأعرف! حياتك لا تساوي شيئاً من غير معرفة وقراءة! أسابق الزمن.. أركض، أجري، أقفز... ألتهم الكتب، عمري قصير... سنواته لا تكفي لقراءة نصف الربع مما أرغب وأحب وأحتاج أن أقرأ، فماذا أفعل؟!... هاجس الحرية يؤرقني: أبواب العقل متسرعة فتوغّل في دهاليزه، واسع للحج إليه... وصلِّ في محرابه... لا حرية لك في الكون إن لم يتحرر عقلك من أغلال الماضي، وأصفاد العبودية التي قيدته وسجنته في أقبية الجمل، وعقم الأفكار، وضحالة المفاهيم، وسلاسل المحرمات والممنوعات والمحظورات، وسخف التقاليد والعادات... هاجس الكتابة يسكنني... من أخمص قدمي حتى قمة رأسي، ثمة صوت ما أنفك يناديني: أكتب... فأتت لم تخلق إلا لتكتب، منذ جئت لهذا العالم، وأنت لا تفعل شيئاً... لا تحسن عملاً إلا القراءة والكتابة! هوس القراءة... حرك هوس الكتابة، القراءة معرفة، والمعرفة بطبيعتها تسعى لأن تتناسل وتولد أفكاراً ومشاعر وإنفعالات... والأفكار لا ترتضي أن تسكن في العتمة أو تقيم في حجور مغلقة... بل تملأ رأس حاملها صراخاً وتململاً طالبة أن تخرج إلى الضوء.
وتتجول تحت أشعة الشمس، وتحلّق في فضاء تسوده الحرية لتتعانق مع مثيلات لها، في كل أصقاع الأرض، هاجس الصداقة يشغلني... يدخل في عمق حياتي، يحتل رأس إهتماماتي، يتصاعد صوت من أعماقي: الصداقة واحدة من أغنى كنوز الأرض، من كان له صديق، لا يعرف أحزان الوحدة، ولا يقتله في كل دقيقة إحساس شرسٌ بالغربة.
لا عزاء في هذا العالم يفوق غراء الصداقة!... لا فرح في الوجود، يضارع فرحاً يمنحه حضور صديق مخلص. عانيت طويلاً وأنا أحنّ إلى صديق! بحثت كثيراً، وفتشت زوايا الدنيا لأحظى بصديق! العالم بطوله وعرضه وإتساعه، يغدو صحراء قاصلةً إن لم يظلله جناحاً صديق... هاجس المجتمع يتعبني، يشوّه فيّ كل نقاء وصفاء... أنا والمجتمع في حالة حرب لا قرار لها، غريزة القطيع التي لم تجد لها مكاناً في نفسي وعقلي.
من صغري، وأنا أجاهد سعياً لإستقلالية وفردية، ملعونة ومنبوذة، في مجتمع ينتج أفراداً، يريدهم متساوين كأسنان المشط، وأنا علمني عقلي، مذ وَعيْتُ وجودي، أن أسبح عكس التيار... وأنا أُشْهِر سيف النقد، ومعول الهدم، وأن أزعزع الأسس المبنية من مداميك صُنِعت في مقالع الخداع والغش والكذب والنفاق.
هاجس الموت يعذبني يسحقني، يعيد إلى ذاكرتي نظرة توغل فيّ كطعنة سكين... تدويّ كطلقة نارٍ تخترق الرأس، نظرةٌ هي آخر شعاع لحياة انطفأت... آخر نور قبل حلول ظلام مطلق، آخر تعبير حيٌ قبل جمود العدم، كانت نظْرَةَ من أشعلت يوماً حبّاً ينتصر الآن على الموت، لم أعرف يوماً خوفاً، هلعاً، رعباً من موت شخص يدهمني، لكن، يسكنني خوف من موت أحبةٍ لي، وخوف أن أترك هذا العالم، وكأنني ما وُجِدْتُ فيه يوماً، ولا مررتُ بأرجائه سنيناً طوالاً.
مأساتنا نصنعها بأنفسنا... نيته في بحر لجيّ من الأفكار السوداوية، وتغرقنا لججها... وهل من منقذ... هو ذا وائل عبد النور، وكأن الكاتب أراد من اسمه "عبد النور" أن يكون رمزاً لشخصية منقسمة على ذاتها، فبمقدار ما يشيع اسمه من ضياء وإنذار... كانت نفسه تغرقه في بحر من الظلمات... يحاول جاهداً الخلاص منها، عبر صديق... أو هاجس... أو حتى خيال مترع بالتفاؤل بحثاً... لا يجد لنفسه سوى تغيير المكان بمحاولة الهجرة، ظانّاً أن مجتمعه هو السبب في كل ما آل إليه حاله...
وإلى نهاية الرواية، يبقى وائل عبد النور في صراع مع نفسه، مع مجتمعه... وقبل ذلك مع أفكاره يقرر الهجرة إلى بلد، بما تسطع فيه الإنذار لتنير قلبه وطريقه... ولتكون للقدر كلمته الأخيرة... حيث اختار له عالم خارج الزمان وخارج المكان حيث اللاعودة. إقرأ المزيد