لقد تمت الاضافة بنجاح
تعديل العربة إتمام عملية الشراء
×
كتب ورقية
كتب الكترونية
كتب صوتية
English books
أطفال وناشئة
وسائل تعليمية
متجر الهدايا
شحن مجاني
اشتراكات
بحث متقدم
نيل وفرات
حسابك لائحة الأمنيات عربة التسوق نشرة الإصدارات
0

بوابات أرض العدم

(0)    التعليقات: 0 المرتبة: 2,426

بوابات أرض العدم
9.35$
11.00$
%15
الكمية:
بوابات أرض العدم
تاريخ النشر: 21/04/2015
الناشر: دار الآداب
النوع: ورقي غلاف عادي (جميع الأنواع)
نبذة نيل وفرات:"كان ذلك في اليوم الأخير، قبل ساعات من الرحيل، على حاجز كتيبة "الفاروق"، والشاب الصغير الذي تلمع النجوم في عينيه يروي وهو يبلع ريقه كيف انشقّ عن "الوحدات الخاصة" في الجيش لأنه رفض قتل الناس، ثم يتابع الحديث: "يعني أنا كيف سأرمي نفسي في الموت، من ريد الموت؟ لا ...أحد! لكن، كنّا موتى ونريد أن نعيش".
كانت السماء زرقاء، لا شيء يعكر صفونا، ولا حتى أزيز الرصاص، ولا الحواجز ولا كل الأبنية المهدمة على جانبي الطريق، لا تبعد عن بلدة سرمدا إلا قليلاً، تركناها وراءنا مع جدرانها الملوّنة بعلم الثورة.
"ونحن نريد دولة مدنية... يكرر الشاب الأكبر سنّاً، يقول لي شاب آخر: "يلعن أبوها الضباط كلهون علويين!"... ينظر إليه الآخر، ويتمتم: "لأموكلهون"، أنصت إليه، وهو يروي لي قصة إنشقاقه للمرة الثانية، فيقترب صديقه منه، ويهمس في أذنه شيئاً ما، الشاب الصغير، ذو العينين اللامعتين والذؤوبة العسلية، ينظر إليّ مذهولاً، يُسقط سلاحه على الأرض، ثم تنكسر نظرته، حدّقت في عينيه المرتجفتين، وبقي سلاحه على الأرض، ثم أدار وجهه.
السماء لم تتغير، ما زالت زرقاء، والجبل الحجري الذي خلّفناه وراءنا يحدق بصمت، لكنني استطعت سماع طقطقةٍ ما، حين أدار الشاب وجهه نحوي، كان يعض على شفتيه، قال بصوت مرتجف - هو الشاب نفسه الذي كان يقف على حاجز مسلح، ويجعل سلامه، ويشهر غضبه في وجه السماء - "سامحيني يا خاله، والله ما كنت بعرف"، وجهه الطفوليّ عاد إلى سماحته، والشباب الذين يحملون السلاح تحت الجسر ينظرون إلينا بفضول.
كان علم أبيض يرفرف بالقرب منهم كتب عليه "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"... اثنان منهما يطلقان لحية طويلة، السماء لا تزال زرقاء، لكن الجنديّ الذي صار طفلاً، اقترب مني وقال متلعثماً: "أنا ما بكره حدا بس هن كلاب بدهون يانا نقتل الناس سامحيني يا خالة". وقف المقاتل الأكبر سنّاً إلى جانبه، كانت عيناه تحدقان بغضب وهو يكرر: "نحن نريد دولة مدنية، أنا في كتيبة الفارق، وأريد دولة مدنيّة"، أنا طالب جامعيّ تجارة سنة ثانية"، لم يطل بقاؤنا معهم، استمعت إليهم، وقلت: "ما في مشكلة... حصل خير"، لكن الشاب الذي صارت عيناه أقلّ لمعاناً، كان مصمماً على أن يشرح لي أنه لم يقصد إهانتي، قلت له قبل أن نرحل مع ثلاثة شبّان: "لكنني لست علويّة، وأنت لست سنّيّاً، أنا سورية، وأنت سوري"... نظر إليّ بدهشة، فقلت له: "هذه حقيقة... نحن سوريّان فقط"، كنت أبرطم في السيارة، ونحن نغادر حاجز كتيبة "الفاروق: "من يحتاج إلى التطمين هنا؟ من يريد أن يبني وطناً من دم ونار، أهذا الجندي المنشقّ الذي تحول طفلاً؟ أم أولئك القتلة أتباع الأسد؟".
وكان الشباب ينظرون إليّ بإستغراب ويضحكون، ولا يفهمون شيئاً مما أقول، من أين تنبع قوتهم؟... من الغريب فينا عن معنى الحياة؟... من الأكثر إلتصاقاً بجوهر العيش، نحن أم هم؟ الذين يعيشون في حضن الموت ويلتهمونه كلقمة سائغة في ضحكاتهم التي قد تبدّدها في لحظة أشلاؤهم المبعثرة، إنهم مجرّد وهم في عقول الناس.
أن تقول "الجيش الحرّ" يعني أن تتخيل جيشاً، لكنّهم هم أنفسهم مَنَّ يمكن أن تصادفهم في الشارع، وهم مجموعات متباينة في التوجه والصفات، وفي القسوة والرحمة، مختلفون في الإنضباط بأخلاق الثورة، والتفلّت منها، لا يحملون صفة التشابه في ما بينهم.
كتائب "الجيش الحر" هي نسخة عن حياتنا وتنوعها، فيها تفاوت شاسع، الفارق فقط أن موتأ بخفة ريشة يتبختر بينهم... لا أعرف السبب الذي جعلني أبدأ الكتابة عن بوابات أرض العدم، بالحديث عن آخر حاجز مسلّح قبل مغادرتي، سوى تأثري بالجندي المنشقّ الصغير الذي رمى سلاحه ليعتذر إليّ عن ذنب لم يقترفه حقيقة، وهو أن "الخالة" التي أمامه، من طائفة ضبّاطه في الجيش.
كانت البوابة الأولى التي عبرنا منها إلى سورية تمرّ عبر المشفى المحاذي للحدود التركية - السورية في الريحانية، هناك طبقة خاصة بالسوريين الذي يتم إسعافهم بعد القصف، غرف متجاورة تفوح منها رائحة من يتمدّدون على الملاءات البيض، بأقدام مبتورة وأذرع مقطوعة وعيون حالمة.
تطير أعضاؤهم سابحة في الفراغ... لا بطل سوى الموت، لا قصص يرويها الناس سوى عنه، كلّ شيء قابل للنسبية والإحتمال؛ إلا بطولة الموت المطلقة، أو لخطة خارجة عن السياق الزمني، حيث كنّا نجتاز الأسلاك الشائكة ليلاً، نعبر التيه إلى التيه... كنا نركض حيناً، ونسير على مهل حيناً آخر... تلك اللحظة المتأرجحة في سؤال المنفى والوطن.
سؤال المنفى والوطن... يلمع في عتمة ليل أسود قاتم... سوريّ الليل... والمواطن سوري ويكاد سؤال المنفى والوطن لديه يغيب... فالوطن يكاد يتلاشى... والهروب إلى المنفى يغدو مستحيلاً وتغدو بوابات العبور مغلقة حتى إلى أرض العدم.
وتغدو بوابات العبور مغلقة حتى إلى أرض العدم... لا تعليق... فالسوريون غدوا أبناء التراجيديا الكبرى للقرن الحادي والعشرين، وهم الدليل الدافع على السقوط الأخلاقي للإنسانية... ذهبوا إلى ثورتهم بأحلام عن الحرية والعدالة، دفعوا دماءهم ثمن حلمهم المجهض - خطط وسياسات دوليّة تمر ببطء، والدماء تسيل، وملايين اللاجئيين وملايين النازحين... وسورية تكاد تتلاشى بحثاً عن ذاتها...

إقرأ المزيد
بوابات أرض العدم
بوابات أرض العدم
(0)    التعليقات: 0 المرتبة: 2,426

تاريخ النشر: 21/04/2015
الناشر: دار الآداب
النوع: ورقي غلاف عادي (جميع الأنواع)
نبذة نيل وفرات:"كان ذلك في اليوم الأخير، قبل ساعات من الرحيل، على حاجز كتيبة "الفاروق"، والشاب الصغير الذي تلمع النجوم في عينيه يروي وهو يبلع ريقه كيف انشقّ عن "الوحدات الخاصة" في الجيش لأنه رفض قتل الناس، ثم يتابع الحديث: "يعني أنا كيف سأرمي نفسي في الموت، من ريد الموت؟ لا ...أحد! لكن، كنّا موتى ونريد أن نعيش".
كانت السماء زرقاء، لا شيء يعكر صفونا، ولا حتى أزيز الرصاص، ولا الحواجز ولا كل الأبنية المهدمة على جانبي الطريق، لا تبعد عن بلدة سرمدا إلا قليلاً، تركناها وراءنا مع جدرانها الملوّنة بعلم الثورة.
"ونحن نريد دولة مدنية... يكرر الشاب الأكبر سنّاً، يقول لي شاب آخر: "يلعن أبوها الضباط كلهون علويين!"... ينظر إليه الآخر، ويتمتم: "لأموكلهون"، أنصت إليه، وهو يروي لي قصة إنشقاقه للمرة الثانية، فيقترب صديقه منه، ويهمس في أذنه شيئاً ما، الشاب الصغير، ذو العينين اللامعتين والذؤوبة العسلية، ينظر إليّ مذهولاً، يُسقط سلاحه على الأرض، ثم تنكسر نظرته، حدّقت في عينيه المرتجفتين، وبقي سلاحه على الأرض، ثم أدار وجهه.
السماء لم تتغير، ما زالت زرقاء، والجبل الحجري الذي خلّفناه وراءنا يحدق بصمت، لكنني استطعت سماع طقطقةٍ ما، حين أدار الشاب وجهه نحوي، كان يعض على شفتيه، قال بصوت مرتجف - هو الشاب نفسه الذي كان يقف على حاجز مسلح، ويجعل سلامه، ويشهر غضبه في وجه السماء - "سامحيني يا خاله، والله ما كنت بعرف"، وجهه الطفوليّ عاد إلى سماحته، والشباب الذين يحملون السلاح تحت الجسر ينظرون إلينا بفضول.
كان علم أبيض يرفرف بالقرب منهم كتب عليه "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"... اثنان منهما يطلقان لحية طويلة، السماء لا تزال زرقاء، لكن الجنديّ الذي صار طفلاً، اقترب مني وقال متلعثماً: "أنا ما بكره حدا بس هن كلاب بدهون يانا نقتل الناس سامحيني يا خالة". وقف المقاتل الأكبر سنّاً إلى جانبه، كانت عيناه تحدقان بغضب وهو يكرر: "نحن نريد دولة مدنية، أنا في كتيبة الفارق، وأريد دولة مدنيّة"، أنا طالب جامعيّ تجارة سنة ثانية"، لم يطل بقاؤنا معهم، استمعت إليهم، وقلت: "ما في مشكلة... حصل خير"، لكن الشاب الذي صارت عيناه أقلّ لمعاناً، كان مصمماً على أن يشرح لي أنه لم يقصد إهانتي، قلت له قبل أن نرحل مع ثلاثة شبّان: "لكنني لست علويّة، وأنت لست سنّيّاً، أنا سورية، وأنت سوري"... نظر إليّ بدهشة، فقلت له: "هذه حقيقة... نحن سوريّان فقط"، كنت أبرطم في السيارة، ونحن نغادر حاجز كتيبة "الفاروق: "من يحتاج إلى التطمين هنا؟ من يريد أن يبني وطناً من دم ونار، أهذا الجندي المنشقّ الذي تحول طفلاً؟ أم أولئك القتلة أتباع الأسد؟".
وكان الشباب ينظرون إليّ بإستغراب ويضحكون، ولا يفهمون شيئاً مما أقول، من أين تنبع قوتهم؟... من الغريب فينا عن معنى الحياة؟... من الأكثر إلتصاقاً بجوهر العيش، نحن أم هم؟ الذين يعيشون في حضن الموت ويلتهمونه كلقمة سائغة في ضحكاتهم التي قد تبدّدها في لحظة أشلاؤهم المبعثرة، إنهم مجرّد وهم في عقول الناس.
أن تقول "الجيش الحرّ" يعني أن تتخيل جيشاً، لكنّهم هم أنفسهم مَنَّ يمكن أن تصادفهم في الشارع، وهم مجموعات متباينة في التوجه والصفات، وفي القسوة والرحمة، مختلفون في الإنضباط بأخلاق الثورة، والتفلّت منها، لا يحملون صفة التشابه في ما بينهم.
كتائب "الجيش الحر" هي نسخة عن حياتنا وتنوعها، فيها تفاوت شاسع، الفارق فقط أن موتأ بخفة ريشة يتبختر بينهم... لا أعرف السبب الذي جعلني أبدأ الكتابة عن بوابات أرض العدم، بالحديث عن آخر حاجز مسلّح قبل مغادرتي، سوى تأثري بالجندي المنشقّ الصغير الذي رمى سلاحه ليعتذر إليّ عن ذنب لم يقترفه حقيقة، وهو أن "الخالة" التي أمامه، من طائفة ضبّاطه في الجيش.
كانت البوابة الأولى التي عبرنا منها إلى سورية تمرّ عبر المشفى المحاذي للحدود التركية - السورية في الريحانية، هناك طبقة خاصة بالسوريين الذي يتم إسعافهم بعد القصف، غرف متجاورة تفوح منها رائحة من يتمدّدون على الملاءات البيض، بأقدام مبتورة وأذرع مقطوعة وعيون حالمة.
تطير أعضاؤهم سابحة في الفراغ... لا بطل سوى الموت، لا قصص يرويها الناس سوى عنه، كلّ شيء قابل للنسبية والإحتمال؛ إلا بطولة الموت المطلقة، أو لخطة خارجة عن السياق الزمني، حيث كنّا نجتاز الأسلاك الشائكة ليلاً، نعبر التيه إلى التيه... كنا نركض حيناً، ونسير على مهل حيناً آخر... تلك اللحظة المتأرجحة في سؤال المنفى والوطن.
سؤال المنفى والوطن... يلمع في عتمة ليل أسود قاتم... سوريّ الليل... والمواطن سوري ويكاد سؤال المنفى والوطن لديه يغيب... فالوطن يكاد يتلاشى... والهروب إلى المنفى يغدو مستحيلاً وتغدو بوابات العبور مغلقة حتى إلى أرض العدم.
وتغدو بوابات العبور مغلقة حتى إلى أرض العدم... لا تعليق... فالسوريون غدوا أبناء التراجيديا الكبرى للقرن الحادي والعشرين، وهم الدليل الدافع على السقوط الأخلاقي للإنسانية... ذهبوا إلى ثورتهم بأحلام عن الحرية والعدالة، دفعوا دماءهم ثمن حلمهم المجهض - خطط وسياسات دوليّة تمر ببطء، والدماء تسيل، وملايين اللاجئيين وملايين النازحين... وسورية تكاد تتلاشى بحثاً عن ذاتها...

إقرأ المزيد
9.35$
11.00$
%15
الكمية:
بوابات أرض العدم

  • الزبائن الذين اشتروا هذا البند اشتروا أيضاً
  • الزبائن الذين شاهدوا هذا البند شاهدوا أيضاً

معلومات إضافية عن الكتاب

لغة: عربي
طبعة: 1
حجم: 21×14
عدد الصفحات: 272
مجلدات: 1
ردمك: 9789953894874

أبرز التعليقات
أكتب تعليقاتك وشارك أراءك مع الأخرين