مراعاة القول الضعيف في الفتوى لدى فقهاء الغرب الإسلامي من خلال العمل الفاسي لأبي زيد سيدي عبد الرحمن الفاسي ؛ باب المعاملات نموذجاً - دراسة وتحليل
(0)    
المرتبة: 215,337
تاريخ النشر: 29/12/2014
الناشر: دار البشائر الإسلامية
نبذة نيل وفرات:من المقرر في فقه الشريعة أن لتغير الأوضاع والأحوال الزمنية تأثيراً كبيراً في كثير من الأحكام الشرعية الإجتهادية، إذ لهذه الأحكام تنظيم أوجبه الشرع يهدف إلى إقامة العدل وجلب المصالح ودرء المفاسد، فهي ذات إرتباط وثيق بالأوضاع والوسائل الزمنية، وبالأخلاق العامة؛ فكم من حكم كان تدبيراً أو علاجاً ناجعاً ...لبيئة في زمن معين فأصبح بعد جيل أو أجيال لا يوصل إلى المقصود منه، أو أنه أصبح يفضي إلى عكسه بتغير الأوضاع والوسائل والأخلاق.
فالإجتهادات السابقة بالرغم من دقتها وتميزها وإبداعها؛ إلا أنها تعتبر ثمرة لعصرٍ معين بقضاياه ونوازله، والإلتجاء إليها أو الإحتماء بها قد يحافظ عليها حفاظاً تاريخياً دون القدرة على الإفادة منها كمعين للفهم؛ لأنها تختلف في مضامينها ومحتوياتها وظروفها عن المشكلات التي تعيشها الأمة في عصرها، كما أن أدوات الفهم ومنهجيات التفكير تشهد على مدار العصور تطوّر أو تبدّلا، وليست ثمة ضرورة في العصر دينيّة ولا منهجيّة تحث على إستخدام تلك الأدوات المعرفية التي استخدمها الأئمة القدامى في حلّ نوازلهم المختلفة، الأمر الذي يستدعي إستخدام منهجيات جديدة حبّة مواكبة، قادرة على الإسهام في حلها.
وإذا كان الفقهاء القدامى أسسوا ما يخدم هذا الفقه؟ فالمحدثون منهم أيضاً تعددا ضوابطه وأرسوا دعائمه مراعين واقع الحال، والحيثيات الإجتماعية حسب خصوصية كل إقليم أو جهة في إطار المناط الشرعي والعرف الذي لا يتعارض مع أصل الشريعة الإسلامية السمحة، وهذا ما ترجموا له بــ"فقه العمل" حسب الأماكن والبلدان.
وإلى هذا، فإن إجراء العمل بحكم من الأحكام لم يكن ليقرره الفقهاء إستناداً إلى هوى النفس أو لمجرد التخمين والصدفة؛ بل هم استندوا في ذلك إلى الأدلة الشرعية العامة وروح الشريعة السمحة؛ فالعمل بالقول الضعيف وإن كان ليس دليلاً بنفسه؛ فإنه يندرج تحت أصول شرعية عامة كأصول الحاجة والضرورة، والعرف والمصلحة، وسدّ الذريعة، وهذه الأدلة وإن كانت عقلية؛ فهي تستند إلى أدّلة نقلية من الكتاب والسنّة، فما من حكم أفتوا فيه بالقول الضعيف إلا وله وظيفة يؤديها وغاية يحققها، وعلّة ظاهرة أو كامنة يعمل لإيجادها لتحقيق مصلحة الإنسان ودفع مضرة عنه.
وقد كتب الله تعالى لعلماء فاس وعلى رأسهم الشيخ الإمام أبو زيد سيدي عبد الرحمن الفاسي أن يكونوا روّداً في جمع الأقوال الضعيفة التي جرى بها العمل في مدينة فاس، فكانت جهود هذا العلم الجليل ثمرة طيبة انكب عليها الفقهاء المعاصرون له، ومن جاء بعده بالتقييد والتعليل يستدركون وارده ويحلّون غامضه.
وإلى هذا، فإن الإشتغال بهذا الموضوع أي موضوع مراعاة القول الضعيف في الفتوى يكتسي أهمية كبرى، ونظراً لغياب الإهتمام بالنوازل الفقهية بما فيه الكفاية، والعناية بالنوازل المشهورة دون الغمية، وبالنوازل المشرفية أكثر من المغربية، وبما أن معظم البحوث الفقهية تهتم بالقضايا التاريخية والإجتماعية داخل النوازل، وتتجنب الإشتغال بالآليات التي يرتكز عليها الفقيه في بناء النازلة، فقد جعلته الباحثة أسماء المخطوبي موضوعاً لبحثها الذي جاء بمثابة رسالة نالت بها درجة الدكتوراه في الفقه وأصوله من دار الحديث الحسنية للدراسات الإسلامية العليا، الرباط.
وقد كان بحثها عملياً نظرياً أكثر منه تطبيقيّاً؛ ذلك أنها عمدت إلى تتبع المسائل والوقائع والجزيئات المتفرقة، في عشرات الأبواب والمواضيع التي وقع فيها الإفتاء بالقول الضعيف، وقامت من ثم بتفكيكها وتركيبها وتوثيقها، وبالتالي تأطير هذه القضايا الفقهية ضمن سياقها التاريخي، وتأصيلها وعرضها بشكل أحكام عامة، وقواعد كليّة للفتوى بالضعيف، معتمدة في صياغة هذا الموضوع على منهج متكامل يرتكز على أدوات البحث العلمي، الكفيلة بتحليل المتن وإبراز خباياه، كالإستنباط والإستنتاج والتفكيك والتركيب والتعليل والمقارنة والتفسير.
ثم ومن مجموع الطبيعة المعرفية والوظيفية المنهجية، قامت الباحثة بصياغة ما يمكن تسميته بأساس العمل بالقول الضعيف، "حدود الإعمال وضوابط الإهمال" هذا، وحيث أن للعمل الفاسي لعبد الرحمن الفاسي قيمة علمية كبيرة؛ نظراً لإعتماد قضاة المغرب ومفتيه عليه؟.
فقد اتخذت الباحثة "باب المعاملات" فيه نموذجاً للدراسة والتحليل، إذ أن هذا العمل يعدّ بحق صورة واضحة للجهود العظيمة التي قام بها علماء الفقه المالكي في ميدان تطبيق القواعد الفقهية على الأحكام والنوازل بالغرب الإسلامي عموماً، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب يأتي في سلسلة "دراسات وبحوث" تحت الرقم (18) في هذه السلسلة. إقرأ المزيد