أدونيس - الأعمال الشعرية الكاملة (الجزء الثامن 2010)
(0)    
المرتبة: 20,589
تاريخ النشر: 05/11/2014
الناشر: دار الساقي للطباعة والنشر
نبذة نيل وفرات:"غيوم تمطر حبراً صينياً (زيارة إلى بيجنغ وشنغهاي)... "I (13 مارس/ آذار، الجمعة، 2009)". من المطار إلى الفندق واكبتنا على جانبي الطريق أشجار عارية إلا من أعشاش الطيور.
مشهدٌ أعاد إلى ذاكرتي أشجار القرية التي ولدت فيها وأعشاشها، الفندق في الحيّ الغربي من بيجنغ، هي الجامعات والمدارس والتقنيات، الطقس ...مائل إلى البرودة، تتنقل في خطوات ريحه قناديل منطفئة لأباطرة يبدون كأنهم لم يموثوا إلا في الكتب.
الفندق جميل كمثل كتاب قديم من الصور، زخارف وألوان أجسدة كأنها تتصادى مع زخارف الأندلس وألوانها... إحاساس لا أعرف كيف أفسره، تجلس معي الدقائق في مقهى الفندق كأنها خيول أضناها الترحّل، خيول نسيت حتى الحَمْحَمَة، تحدق فيّ الفتاة - الدمية الجميلة، عاملة المقهى.
أجلس على آخر كرسيّ في آخر زاوية اقرأ وأكتب وأشعر كلّما نظرتُ إليها كأنها تقول في ذات نفسها، مجنون غريبٌ آخر، وردةٌ في أصيص زجاجي صغير على الطاولة، تمدّ يدها إليّ ولا أراها، كان نظري يلاحق وردةً غائبة في فضاء غائب.
وكان المقهى قد بدأ يغرك حاجبيه، كمن يستيقظ باكراً ولا يزال في حاجة إلى النوم، أنت المرأة التي ترافقني، من أنت؟ أمك ثمانون سنة - أنا، وانظري إلى سكين التاريخ كيف تحززها وتنغرس فيها، هل تسمعين صدى ضرباتها؟ حاول أن تخترقي تلك الغيمة التي تغطيها... حاولي أن تقرئي الخطوط التي رسمها نَرْدُ الأيام وهو يتدحرج عليها... أمامك ثمانون سنة - أنا... ماذا أقول؟ حلم يقظةٍ ليس إلا نوعاً من النوم.
عليّ إذاً، أن استيقظ حقّاً... أن أحقن كلماتي بنسْغِ التحولات لكي أحسن الكلام على الصين، أن أصنع ذلك المعبد الأرضي تيانامين (Tianammen) مرآةً تتمرأى فيها أسئلتي، وأن أصنَعَ من الأسئلة مسْرحاً تنعرض عليه شموس المعنى، أن أتفحص برفقة صديقي الدكتور بسّام، المعجم الذي كتبته الحياة، وأتفقد فيه الكلمات التي جفّت ضروعها، وتلك التي لم تنبت أثداؤها بعد.
وكان في لغتي ما يقول: عميقاً ينزل رعد التاريخ في جسد المادة، أ-كرسيّ السماء: لا يسع حتى حصاةً يدحرجها طفل يبكي ب غيمة اللغة: سربٌ من الأجنحة تمطر حبراً صينياً، ميزان المعنى: كفّةٌ للكلام، وكفّةٌ للسؤال، ج-نجمةٌ تنزل وحيدة على سلم الفضاء... أظنها تحمل بريداً أنتظره، د- لا تموت من الشيخوخة، تموت مللاً من أبدية الطفولة، هـ-"لا شيء يموت"، يقول لك الموت نفسه، الموت هو الطين الذي تُجْيَلُ منه أعظم الأكاذيب... أ-تعبر الساعات كمثل قطيع غزلانٍ، يرعى أعشاباً سريّةً في غابة الوقت، ب-الوقت هو كذلك يغني أو يبكي، لا بشفتيه وحدهما، بل يشرايينه كلها، ج-هل الحياة هي، حقاً، الكتاب؟ هل الكتاب هو، حقّاً، الحياة؟ هل الحياة شيء والكتاب شيء آخر، وشتان ما بينهما؟ أَجِبْ، أجِبْ ياكونغوشيوس، د-لا تتوقف، أيها الشاعر، عن إبتكار المغامرة، خصوصاً تلك التي تزلزل الطريق والأثر، هـ- أفق الإنسان أن يتحول هو نفسه، دائماً، إلى مفاجأةٍ لنفسه داخل نفسه "أدونيس كلمات تتقاطع معانيها في إحتفالية نثرية مع الواقع حيناً... مع الخيال أحياناً، ودائماً وأبداً مع فلسفة تزرع في الذهن ألف سؤال وسؤال...
ألهذا الحدّ هو أفق الشاعر بعيد... عميق... أن حلق في سماء الخيال... طاول الشهب... وإن مضى في رسم المعاني... رحل في أغوارها... وإن حدث نفسه... لمس أعماقها، هي أعماق نفس ترحل خلف المعاني... تسربلها برداء الكلمات... لتضمي عروساً تتبختر في رياض الشعر وفي واحات النثر... بل تتبختر في عالم اللغة والإنسان.
هو أدونيس الذي مثلت عطاءاته الشعرية والنثرية إبداعاً... وصلت أصداؤها بعيداً... كتب المسرحية فأجاد، ونثر المعاني فأغرق ونظم الشعر فحلّق... وما بين يدي القارئ وأعماله الشعرية في جزئها الثامن فليبحر في بحورها علّه يبلغ شطآنها التي تتجاوز الزمان والمكان... إقرأ المزيد