خطاب المفارقة في الأمثال العربية
(0)    
المرتبة: 18,786
تاريخ النشر: 18/07/2014
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:من المصطلحات التي تتردد بكثرة في النقد العربي المعاصر، مصطلح "المفارقة"، وهي مفهوم حيّ تتنازعه مقاربات مختلفة أشد الإختلاف فقد يجد عالم الإجتماع تجلياً من تجليات العلاقات الإجتماعية بين الأفراد، ويجد فيها الفيلسوف شكلاً من أشكال الوعي والجدل الصاد، فهي من المفاهيم المعرفية التي تغري حقولاً معرفية مختلفة؛ إذ ...تكاد المفارقة لا تستثني نشاطاً إبداعياً يأتيه الإنسان.
وتتبدى المفارقة في مظاهر شتى تتصل بالوجود والمجتمع، ومن ثم تنعكس صورها في الأدب وتتمثل في أوجه التناقض والتضاد في علائق وأطراف يجب أن تكون متوافقة، وكذلك في ما يظهر عكس حقيقته، حيث يُرى العبث في الجدّ، والزيف في الحقيقة، ولهذا تتصل في كثير من صورها بالتهكم والسخرية والدهشة والألم والإحساس بالفجيعة والمأساة.
وإلى هذا، فإن المفارقة تقوم على أساس أن ما نسلم به وما نقبله هو أمر لا يجب أن نسلم به من وجهة نظر موضوعية، فالمفارقة تقوم على إستنكار الإختلاف والتفاوت بين أوضاع كان من شأنها أن تتفق ونتماثل، أو بتعبير مقابل تقوم على إفتراض ضرورة الإتفاق في واقعة الإختلاف؛ ولا شك أن المفارقة تمثل آلية من آليات بناء المثل العربي، ومن ثم تمثل دراستها آلية من آليات تحليل النص الأدبي.
من هنا، يمكن القول بأن أهمية هذا البحث تكمن في قراءة شكل إبداعي قديم هو الأمثال العربية في ضوء مصطلح حديث هو المفارقة، فالمفارقة واحدة من الأساليب المتعددة التي تم توظيفها من أجل بناء نص المثل بناءاً ذا معنى بالدرجة الأولى، على هذه الأرضية كانت المفارقة تنقذ النص موقفاً كاملاً أو سياقاً لفظياً أو مشهداً وصورة أو حركة أو سلوكاً - من السقوط لتنشئ نصاً مقابلاً لهذا النص، وما على المتلقي إلا إقامة هذا التقابل وملاحظة المسافة القائمة بين النصين ليكشف أن نصاً آخر يتوارى خلف النص الظاهر، يتفتح على فضاءات رحبة من التخييل والتأويل.
ولعل ما يزيد من أهمية هذه الدراسة للمفارقة في الأمثال العربية، أن الإستجابة النقدية للمفارقة في الأمثال كانت إستجابة معدومة، فالبرغم من توفر بعض الدراسات الجادة في حقل المفارقة في الأدب، إلا أنها لم تطرق النصوص التراثية إلا في ما ندر.
وإلى هذا، فقد جاءت هذه الدراسة لتخطو خطوة ضرورية إلى الإلمام بموضوع المفارقة نظرياً من جهة؛ وقراءة المفارقة في الأمثال العربية بوصفها خطاباً يؤثر في نوعية إستخدام اللغة من جهة أخرى، وقد استخدمت الباحثة مصطلح "خطاب المفارقة" موازياً لمصطلح الموقف المفارقي أو الرؤية المفارقية، أما إختيارها لمدونة مجمع الأمثال الميداني كي تكون مادة البحث في المفارقة، بالرغم من توفر مجامع كثيرة للأمثال - فيرجع، كما تذكر في مقدمة بحثها، إلى أسباب عديدة، منها كثافة المادة المثلية الواردة في المجمع فقد جاوزت الستة آلاف مثل عربي من الأمثال القديمة وأمثال المولدين، والأهم من ذلك كله عناية الميداني بإيراد قصص الأمثال وتحري صحتها، الأمر الذي يساعد طبيعة البحث المستقصية للمفارقة في الموارد.
وقد التأم البحث من خلال مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، ضم الفصل الأول الجانب النظري المتعلق بالمفارقة، وتم تخصيص الفصل الثاني للحديث عن دور مفارقات اللغة والشكل في بناء الأمثال العربية، أما الفصل الثالث فقد تعرضت فيه الباحثة لإستجلاء جماليات المفارقة السياقية في الأمثال العربية من خلال ثلاثة أنماط كبرى من هذا الشكل من المفارقة، كالمفارقة الدرامية ومفارقة الأحداث والمفارقة السقراطية، أما الفصل الرابع فقد دار حول آليات تنفيذ المفارقة في الأمثال العربية، والتركيز على أبرز هذه الآليات كالسخرية بأشكالها من تهكم وهزل ونكتة وكاريكاتور، وآليات: التضاد والإيجاز والإيقاع ثم البحث عن مقدرة هذه الوسائل الفنية على إنتاج البنى المثليّة للمفارقة. إقرأ المزيد