تاريخ النشر: 01/01/2006
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
نبذة نيل وفرات:صابر جبل عامل المحن، وثبت على نوائب الزمن، مدافعاً عن عمرانه، مستبقياً على سكانه بشمّ جباله، وشمم رجاله، ومنعة معاقله وصياصيه، وأباء بنيه ووحدة مذهب ساكنيه، كان رقعة مغمورة من رقاع سورية، مندمجاً في الأعمال، مستتبعاً ما يقرب إليها من قواعد الولايات، حيث لم يكن له وجود سياسي مستقل، ...فكان يتبع منها ما يراه في تقسيمها الولاة، فكان تارة جزءاً من عمل فلسطين أو الأردن، وطوراً من عمل بانياس ووادي التيم، وآونه من عمل صيدا، ولم يكن معروفاً باسم جبل عامل أو جبال بني عامله على أنه عمل مستقل إلا في القرون الأخيرة.
عرف في عهد الدولة الصلاحية بجبل عاملة وجبل الخيل، أو الخليل (بالخاء المعجة الفوقية)، وعرفه قبل ذلك قدماء المؤرخين والجغرافيين كاليعقوبي حيث قال: "وجبل الجليل (بالجيم) وأهلها قوم من عاملة"، وياقوت من معجمه ذكر حدودها، وأبو الفداء في تقويمه حددها فقال: "إن جبل عاملة من الأماكن المشهورة، وهو ممتد في شرقي الساحل وجنوبيه حتى يقرب من صور إلى أن قال: "وكانت رعاياه في حكم الأفرنج، وفي شرقيه وجنوبيه جبل عوف (عجلون)"، ضيق دائرته بعضهم حتى حصرها في القسم الجنوبي وهو المسمى ببلاد بشارة، ووسعه آخرون حتى ألقوا به قسماً كبيراً من لبنان الجنوبي.
وجملة القول أن الأقاويل في تحديده مضطربة، وأقربها إلى العرف والمعقول (قلعة الشقيف)، قام في جبل عامل حكم إقطاعي موزع على رؤساء أُسَرِه المعروفة، امتد زهاء قرنين أو أكثر، كانت الحرب فيها بين العامليين ومجاوريهم سجالاً، وقد امتنعوا بمنعة قلاعهم الكثيرة، وحصونهم التي رمموها أو شيدوها، وببسالة أبطالهم الذين تعودوا خوض غمرات الوغى على الطامعين بإخضاعهم والإستيلاء على بلادهم، وحسبك أن الولاة العثمانيين في الشام وعكا وصيدا كانوا يستنفرون أحياناً كثيرة إلى حربهم ولاة الشوف وحكام فلسطين، ومرات يحشدون عليهم الجيوش الجرارة في أكثر الأقطار الشامية، ويغزو منهم في عقر دورهم، كما جرى في حرب "كفررمان" التي أخرجوا منها ظافرين...
ومهما يكن من أمر، فإن نكبات الحروب التي عانتها البلاد الشامية قديماً وحديثاً من الغزاة والفاتحين، وتعاقب السلطات المختلفة عليها كان منها لجبل عامل القسط الأكبر، وعانى كثيراً من أهوال الحروب الصليبية لإتخاذ المحاربين له ميداناً للهجوم والدفاع من هنا وهناك، وألقاه في هذه المهاوي البعيدة القعر... قربه من البحر، ومنعته الطبيعية بجباله التي تزل عنها العصم، وقلاعه الكثيرة الحامية عوراته من طموح الغزاة.
ولكن أن يد التخريب لم تنل منه في الحروب الصليبية، وهو مجرى العوالي وحجرى السوابق، ما نالته منه القرون الأخيرة، ولا سيما أيام أحمد باشا الجزار سنة 1195/و/1780م التي كانت كلها شؤماً عليه، وسيلحظ القارئ عند متابعته لأسماء قرى جبل عامل في هذا المعجم، والتعليقات التي وردت على أسماء القرى العاملية أمثلة كثيرة من التخريب والتدمير اللذين كانا من العقوبات التي يرى فيها الغالب شفاء غيظه، وإطفاء فاترة غضبه وتسكين ثائر حفيظته... وشتان بين الحروب المنظمة والثورات القائمة على أسس المطامع ومنازع الكره الموروث.
وخاتمة مطاف التخريب التي عاناها هذا القطر كانت في عام 1250 / 1835م، وعسى ألا يرى إلا العمران والتجديد وما ينسيه سيئات القديم والجديد [...].
ويقول صاحب هذا المعجم أنه كان قد كتب في المجلد الثامن من مجلة (العرفان) مقالاً تحت عنوان (أسماء قرى جبل عامل في القرن الثاني عشر) موزعاً على ثمانية أفراد... لم يذكر فيها سوى أسماء القرى التي كتب بها (عاملي) إلى العلامة الشيخ يوسف البحراني، من علماء القرن الثاني عشر الإمامية، والتعليق عليها، مشيراً أن ذلك العاملي كان قد ترك أسماء قرى كثيرة لا يرتاب بعمرانها في عهده، لذا كان لا بد من مقال جديد يذكر فيه القرى المستحدثة، لينضم هذا المقال إلى المقال السابق ويشكلا هذا المعجم لقرى جبل عامل، الذي أشار في مقدمته إلى ما طرأ على جبل عامل من التغيير في الحدود والتبديل في مقاطعاته الثماني، منبهاً من ثم إلى ما وقع من التحريف في أسماء كثيرة من القرى في (قاموس لبنان) لجامعة الأديب وديع فيا منشئ مجلة المعارف، متحرياً ضبط الأسماء بالشكل، وما إليه، ومتوسعاً في التعليق قدر الإمكان. إقرأ المزيد