تاريخ النشر: 27/05/2013
الناشر: منشورات ضفاف، منشورات الاختلاف
حمّل iKitab (أجهزة لوحية وهواتف ذكية)


نبذة نيل وفرات:"انتقلت من نار لنار، من جنة لجنة وإن تشابهت الجبهات أو تماثلت. بقلب مغروز في الاثنتين، واحدة أعطيتها قلبي وأفكر معها، وواحدة أعطيها قلبي وأفكر لها… امرأتي كانت فلسطين، صرت عاشقاً بأربعة أجنحة، معلقاً بالهواء، عشت، لا أعرف كيف أوفق بينهما، لم أستطع بسهولة. واحدة بين عينيّ، وواحدة تحت ...عينيّ، أخّرت عملية في ألمانيا من أجل عيونها، خربتها، ضاعت… لم أستطع أن أتركها وحدها كانت تلد. لم أقدر على البعاد، لم أقدر أن أفارقها أو أتركها لحظة. تجتاحني الاثنتان، منذور لهما، والضعف الانساني يربح في النهاية، يغلب الواجب. يقول بصوت غير متأكد، به رنة اعتذار: لا تصدق كلام الكبير ترك عزاء أمه وهرع ليلعب مباراة الكرة من أجل الواجب، أو ممثلة صوت المسرح يوم وفاة أبيها، ليس موقفاً، هو محاولة لدفن الحزن في تربة أخرى، أو لربح نقطة على حسابه، أو توزيعه بغير عدل على الآخرين. عاقبوني، ربوني أفضل تربية، ثلاث سنوات لم يقل لي أحد في المنظمة صباح الخير، تستطيع أن تقول إنهم رموني… عندهم حق. أكلتني يديّ، أكلني دماغي، ودمي الحار ازدادا فوراناً… إلى أن جاء يوم واحتاجوني. عدت لملعبي للمباراة التي يجب أن تربحها، أو تربحها وتموت، ذهب للعشق بقلبين. كنت أصل الليل بالنهار لا أعرف النوم… يلعب بعينيه كما يليق بثعلب قديم، ثم يثبتهما ويرمي نظرته الى بعيد، عينا صقر، لا لا، عينا لاعب قمار، لاعب بوكر من الطراز الرفيع… أنا عاشق حتى الثمالة، لا أعرف ما هي الثمالة التي يقولون عليها، لكنني أعرف كيف أحسها ولا أتوه. قلت لك من البداية لا تحاول أن تستنطقه أو تسأله، هو الذي يقرر متى يحكي وماذا يحكي… يمرر أصابعه نحيلة كأنه ستنعطف الى جهة ما بعد قليل كما يليق بأصابع العازف، وأحياناً كما يليق بأصابع حاو، تراها ولا تراها، كضي حرير يظهر ويغيب، كصرخة حرير لها صوت وصدى. من المركز في لبنان خططنا، ومن الفرع في ألمانيا أعددنا ونفذنا… ربي حطني في امتحان… حصلت مشكلة بيننا وبين جماعة من إخواننا العرب، كانوا يقاتلوننا بدل أن يقاتلوا اسرائيل، يتدربون فينا، ثم يقاتلونها بعد ذلك، يضحك بسخرية، كانوا يزاحموننا على الكعكة اليتيمة في أيدينا. تركت سيارتي، بدلت أوراقي ووسيلة تحركي، رحت أغير كل شيء في إيقاعي. في يوم تعطلت سيارة حبيبتي أم زينة، أخذتك في الكلام، ابنتي أسميتها زينة. نادت الخادمة من أسفل أمام البناية، هبطت بمفتاح سيارتي ومعها ابنتي. وقالت أم زينة: خذي البنت واطلعي. ظلت تراقبها حتى اطمأنت أنها صعدت، ودّعت ابنتها التي راحت تشير لها من النافذة. في البداية لم تستطع أن تفتح الباب، حين أدارت المفتاح انفجرت السيارة، وزوجتي طارت من مكانها صاعدة لما يحاذي شرفتنا في الدور الثالث. طار معها كل شيء، فقط ابتسامتها ظلت على عجلة القيادة التي علت ووقعت في الشرفة، وربما دخلت في شيش الشباك لتودع ابنتها ثانية… تصورت أنهم قد يلاحقونني، لكن ليس لدرجة أن يشطبوني في الكشوف… أخذت روحي وراحت… في المسافة من قبرها الى زينة يأكلني وجعها، عشقها، حبها، يتفاخر أمامي على الطاولة، مثلما قفزت ابتسامتها عن وجهها في الهواء وهي تدير المفتاح… تركت اسرائيل لوقتها، أدرت المفتاح. حين يحكي أبو شندي، بمزاج رائق، لا ينسى ان يضع يده كثيراً على فمه، وحين يعصب ينسى فيختلط الكلام بالصفير. كل سن من أسنانه جنبها واحدة غائبة، كأنها سلم موسيقي مكسور.
اخواننا العرب إياهم وقت أن حبسوني زمان، كانوا يخلعون لي سناً ويتركون أخرى حتى أستطيع أن أشرب الماء، الله يكرمهم… هل رأيت يوماً عين مخنوقة بالحسرة وأخرى تتعلق بريح الأمل؟ قف يا أبو شندي، لا مكان لك هنا، أنت فقط تتمنى لو تستطيع العودة الى لبنان ساعة واحدة لتزورها. أنت تعرف أن لا قبر لها، هي بلا قبر، تسكن في قلبك، ومثواها بين ضلوعك، والذين هناك ليس سوى عظام حبيب تنتظر، تشتاق حبيباً ينادي عليها لتجمع نفسها بسرعة وتضم نفسها بعجلة الملهوف…".
تتوالى الأحداث، وتتبدل الشخصيات، ويبقى مشهد المقهى وأبو شندي هو الحاضر في هذه الرواية. أعوام وهو في المقعد نفسه في هذا المقهى… وحيد غالباً الا من بقايا فلسطينيين يأتنسون به أو يؤانسونه، يفرغون ما تبقى من شحنات غضبهم أو غيظهم معاً، يلتمون على بعضهم كأنهم اجتمعوا لعزاء…
عاد الفلسطينيون الى رام الله وإلى غزة بعد أن قضوا أعواماً في ضيافة تونس منذ الخروج الكبير من بيروت عام 1982. بسرعة لململوا تاريخهم، وما اتسعت له حقائبهم، وتجمعوا صفوفاً ليتأكدوا من أسمائهم… الا أن أبو شندي لم يجد اسمه في كشوف العائدين… فهو في كشوف الاسرائيليين ممنوع من العودة، يده ملطخة بدمائهم… عشرون عاماً من النضال تحت راية الثورة الفلسطينية في بلاد الله ومثلها في تونس؛ بعد أن طارت الراية أو تبدلت… يتذكر دائماً طعم العملية الأولى، كانت في بوخارست ضد واحد من عصابة الهاجاناة اليهودية، التي دبرت مذبحة ياسين…
يمضي الروائي في سردياته… مقهى وفساد وعلاقات مشبوهة وأبو شندي على مقعده… فالمقعد لم يتبدل ولم تتبدل الأعوام ولا صورة الرئيس… ولكن وإلى نهاية الرواية و"تقف عيناها على صور السيد الرئيس في مكانها في الحمام… لبرهة نظر اليها، تستدير لتخرج، تغير اتجاهها نحوها مرة ثانية، فجأة تركلها بقدمها، تتساقط مبعثرة على أرضية الحمام، تحملها بأطراف أصابعها الى سلة القمامة…". وذلك مصداقاً على ما قاله أبو شندي… كل شيء يحتاج لبائعات الهوى […] إقرأ المزيد