تاريخ النشر: 01/01/1993
الناشر: دار صادر للطباعة والنشر
نبذة نيل وفرات:إن أدبنا العربي عظيم الثروة، واسع الإرث، فقد انتشر في أقطار واسعة، ودام عصوراً عديدة، أخذت به أمم المشرق والمغرب ثلاثة عشر قرناً، على إختلاف عناصرها وأديانها، فما فتر ولا وهن، ولم تذهب النكبات بآثاره كلها، ولم تمح الغارات صفحاته جميعها، وإنما بقى منه شاهد يتلأ المكتبات ويشغل الجامعات، ...ويستبد بالليالي ويستنفد الجهود والأقلام.
فهو يقف للحضارة وقفة لا يمسه فيها خجلن ولا يصيبه منها وجل، ألم بكل فن، وأصاب من كل قول وبرع في كل ضرب، فلا يحوجه إلا الصقل، ولا ينقصه إلا التبويب كي يعود شاباً في عقل العصور المتطاولة إلى السموّ، وأسلوب القرون المشرئبة إلى النمو.
ذلك حال "الوأواء الدمشقي" فقد طبعه المستشرق الروسي الأستاذ أغناطيوس كراتشتموفسكي منذ نيف وثلاثين سنة عن مخطوطات ست، وترجمه، وقدم له بالروسية، فهبط الشرق وأفام بين ظهرانينا، يقرأ وينقل، ويدقق ويصحح حتى أئمة فآب إلى وطنه، وقام بطبعه سنة 1913 فلقي الثناء واستحق الذكر.
ولأهمية هذا الديوان، عمل المحقق له ووفر وسافر وراء مخطوطاته المجهولة والمستخفية، ثم حقق النص واستعان على الدراسة الروسية بالترجمة الكاملة مع الحواشي والتعليقات، لئلا تفوت القارئ العربي نظرة المستشرق إلى العصر، ودراسته لهذا الشعر، وطريقته في البحث والدرس.
كما ابتدأ كتابه بالمقدمة، في دراسة الرجل، وشعره، ومخطوطاته، حيث اتفقت جميع المصادر على أن اسم الرجل "محمد" وان أباه "أحمد" وأن كنيته "أبو الفرج"، ونسبه "الغاني الدمشقي"؛ فقد ورد في المحمدين عند القفطي والسكتبي وابن عساكر.
فهو غسّاني، ولعل نسبه يتصل بالغساسنة القدماء الذين قطنوا الشام قبل الإسلام، وسجلوا في تاريخه صفحات طيبة، منهم الملوك والأمراء وإليهم يفد من أقصى الجزيرة الشعراء.
أما طرق الشاعر من أغراض الشعر المعروفة قبله أبواب: فكانت أغراضه ومعانيه الغزل، والخمر، وشعر الطبيعة، والمديح، وله في الهجاء قصيدة واحدة، أما الفخر فله فيه أبيات قلائل جاءت عرضاً في المديح، وليس له في مجال الزهد والحكمة والحماسة قول.
الغزل: أما الغزل فأكثر ديوانه، لانه كان حياته، فقد كان يخلو إلى نفسه وجمعه، وإلى حبه ولهوه، يبث اللوعة والوجد، والشوق والضرام.
أما الخمر، فالشاعر لا يتسلى في هجره ووصاله إلا بالخمرة فيصفها، ويكثر من وصفها، يحثه على شربها عاملان الحب والطبيعة، كما نجد أن أغراض شعره، شعره الطبيعة: والوأواء شاعر مكثر في وصف الطبيعة، رسمها رسماً حسياً، فشبه الليل بليل الثاكلات، لا تهتدي مشارقه لمغاربه. إقرأ المزيد