تاريخ النشر: 03/02/2012
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:"مضى حسين في دربه ليلحق بسيارة البيك أب الذي ستقله إلى منزله، وهو مسترسل كالعادة في نزاعه الداخلي وحواراته التي يتقمص فيها جميع الأدوار!... فتارة يتخذ دوره الحقيقي، وتارة أخرى يتلبس دور بو فهد... إنه السجين والسجان.... والحامي والحرامي في جميع النقاشات والمجالات، التي تتخذ من مخيلته مسرحاً لتقديم ...عروضها وإستعراضاتها.
آه لو علم الذين يستهزئون بي... أنني مفكر!... أنهم لا يدرون بأنني ناشط سياسي... ورجل دين... وفيلسوف اتخذ من الصمت فلسفة له في الحياة!! أنا الثائر في أعماقي... اتخذ من حمم سخريتهم وقوداً لإشعال ثورتي!... متى سأستطيع أن أًصرخ؟ متى سيسمع الآخرون دويّ عذاباتي!... أنا الفقير المعدم الذي يتبعون معه سياستَيّ التجويع والوعود الكاذبة!.
أما حان الوقت لأتبع أنا معهم سياسَتَيْ الثورة والغضب! هذا هو حسين المسنجر... ابن قرية كرانه، الذي تربى بين الأزقة الضيقة الملتوية للقرية... والذي استظل بسعف نخيل بساتينها التي طوقتها كالحزام الأخضر الذي تطوق به العروس قدها في ليلة حنّائها...
في هذه القرية الخضراء، تعلم حسين أول أبجديات الفقر حيث اعتاد تمشيط الأزقة حافياً، لا ينتقل سوى طفولة محروقة من أبسط حقوقها؛ في سنوات صباه، كثيراً ما كان يتخفى بالساعات فوق سطح بيته ليطل منه على الضفة الشمالية التي يبترها البحر عن قريته، كثيراً ما تمنى لو أنه استطاع بناء جسر يعبر به من قريته المتهالكة إلى تلك الضفة السحرية، حيث تقع العاصمة بكل ثقلها، مثبتة بعماراتها المتباينة، التي يتراقص بأنوارها المتلألئة في ليالي صيف البحرين الطويلة... لتنعش على فؤاده صورة لمكان مغاير يتمنى أن يسكنه في يومٍ ما...
مكان لا يشبه قريته التي يسكنها - ولا تسكنه في شيء... هكذا كان يفكر حسين ابن الثامنة والعشرين، الذي فقد أباه المزارع البسيط قبل عشرة أعوام؛ ليجد نفسه العائل الوحيد لأم وثلاث شقيقات وشقيق لم يتجاوز حينها الثالثة في عمره الطري.
حسين بنيته الضئيلة وبسمرته... وصمته المريب، كان مثاراً للعطف أحياناً، ومثاراً للسخرية في أحايين كثيرة، كان الكثيرون يرون في صمت حسين طيبة... وربما طيبة زائدة تغريهم بمناكفته وتحمله مزيداً من الأعباء النفسية في أغلب الأوقات، لم يعرفوا يوماً أن حسين كان يستقبل سخريتهم بثورة ومظاهر كبرى في دهاليزه الداخلية، لا يسير فيها سواه!...
لم يكن ذلك الراتب الذي يتقاضاه من الجريدة كرئيس للفراشين يكفي لا طعام ستة أفواه، ولا الدنانير التي يجنيها من عمل إضافي هنا ومهمة جديدة هناك بكافية هي الأخرى للإيفاء بمتطلباتهم التي تزيد يوماً بعد يوم.
ترسم الروائية بدقة صورة الألم والحسرة، متجسدة في شخص حسين المسنجر، وتحاول من خلالها إبراز حالة يضج بها المجتمع ويعيش عذاباتها إنسان يعيش مقهوراً ومنسياً بسبب فقره الذي يبقيه منفياً على ذلك الشاطئ الموحش من بحر الحياة. إقرأ المزيد