تاريخ النشر: 01/01/1992
الناشر: دار المشرق
نبذة نيل وفرات:عاش جبران في وحدة، وأحب الوحدة، وتحدث عنها غير مرة، وتحدث عنها في "حديقة النبي"، يلوذ جبران بالوحدة في حديقته، بعد عودته من غربته، وينصح ربان السفينة: "اصبروا عليه، ودعوه يتابع طريقته، خبز الوحدة خبزه، وفي كأسه خمرة الذكري التي يحتسبها وحده".
وشكا أحد تلامذة جبران من الوحدة، من حوافز ...الساعة تدق صدره، فانتفض جبران وقال بصوت عاصف: "وحيد أنت! وما هذا؟ جئت وحيداً، وستؤدب وحيداً إلى الضباب، ألا اشرب كأسك وحدك، وإن كان لها طعم دمك ودموعك، وأحمد الحياة على نعمة الظمأ، فقلبك دون ظمأ شاطئ بحرٍ قاحل لا غناء فيه، ولا جزر ومدّ... اشرب كأسك وحيداً، اشرب وطب نفساً، ارفع كأسك فوق رأسك، واشرب ثمالة من يشربون وحيدين، حاولت مرة مصاحبة الناس، جالستهم في ولائمهم، وتماديت في الشراب معهم، ولكن خمرتهم لم تصعد إلى رأسي، ولا جرت في صدري، وكل ما فعلت أنها هبطت إلى قدميّ.
حكمتي تركتني عطشان، وقلبي أغلق وختم عليه، ولم يبق معهم، في ضبابهم، سوى قدميّ، ولم أحاول بعد ذلك مصاحبة الناس، ولا مشاربتهم الخمر على موائدهم، ولذلك أقول لك، وإن دقت حوافز الساعة صدرك دقّاً عنيفاً: ما هذا؟ خيرٌ لك أن تشرب كأس حزنك وحيداً، فإنك ستشرب وحيداً أيضاً كأس فرحك... وماذا عن جيران أيضاً؟...
فعلى على الرغم من كون الحرية مشكلة فلسفية وبيئية، إلا أن جبران ما تصدى لها من هذه الزاوية، ما أفكر حرية الإنسان أو شك فيها، الإنسان حر، ولكن ما أكثر القيود، الخارجية والداخلية! ويثور جبران على تلك القيود، يثور في قصصه الأولى: في مرتا البانية، ويوحنا المجنون، وصراخ القبور، وخليل الكاف، ويثور في كتبه في: دمعة وإبتسامة، والأجنحة المتكسرة، والمجنون، والمواكب، والعواصف، والسابق، والنبي...
يثور جبران على الإقطاعي، والغني، ورجل الدين، وينقم على العثماني المستبد، والغربي المستعمر، والشرائع البشرية الجائرة، ومساوئ المدينة والمدنية، بل يرى جبران في أهوائنا استعباداً لنا، وفي حبنا الحرية عبودية!...
يضخم جبران من ظلم الظالمين، ويتطرق... وجبران ما أفكر غلوّه "أنا متطرف حتى الجنون، أميل إلى الهدم ميلي إلى البناء... والوقاحة بخشونتها أفضل من الخيانة بنعومتها"، اعترف بتطرفه، فجاوز التطرف تقدر دفاعه عن الحرية، عمن ظلموا ويظلمون في وطنه، وفي شرقه، وفي كل مكان، العبوديات تخنق الأنفاس، وتستمر الحاجة إلى من يحطم الأغلال!...
وجبران بين هذا وذاك تكلم كلام نبيّ وحكيم... فلك أن تعدّ جبران فيلسوفاً... مفكر، وهادٍ شرقي، ولا تستهن بقذره إذا ما قيس بأبناء الضاد في عصره؛ بل إذا ما قيس بهم في أيّ عصر ومصر.
وهكذا تنساب سيرة جبران في هذه الدراسة التي تمّ فيها تحليل كتب جبران كتاباً كتاباً، في محاولة لفهم بعضها تصويباً، كما تم إنتقاء من النصوص العربية الجبرانية الأجود منها، ونقل نقل بعض نصوصه الإنكليزية... وكل المبتغى أن يسترسل القارئ مع جبران مع أفضل ما خلّفه... كما تم سرد أخبار جبران مما أخبره هو عن نفسه، وإختيار الأجمل مما رسمه جبران من لوحات... والتي تعني ما تعني من موضوعات... وتعني أن جبران... إذا ما عمق تأثره بفكرة أخرجها بالكلمة واللون، وخاطب الأذن والعين... فاسمع أيها القارئ والكلمات... وتأمل اللوحات واسترسل مع عبارات وإبداعات جبران الإنسان والفيلسوف والرسام. إقرأ المزيد