تاريخ النشر: 08/09/2009
الناشر: طوى للنشر والإعلام
نبذة نيل وفرات:"لقد مضت عدة أسابيع يا مولاي على ذلك المساء الذي قرأت فيه رواية موبي ديك للكاتب الأميريكي ( هرمان ملفل ). آنذاك وفي الصفحة التاسعة والعشرين لفت نظري هذه العبارة التي قالها بطل الرواية إسماعيل. قال " كلما كنت في مثل تلك الأحوال آن لي أن أركب البحر بأقصى ...ما أستطيعه من سرعة، فذلك هو ما أوثره إن آثر غيري المسدس والرصاص. في رباطة جأش المتفلسف ألقى كاتو نفسه على سيفه ". كما أتذكر الآن شعرت بكاتو آخر أثناء القراءة. كائن مخلوق من ذكرياتي، مخلوق من لحظة ماضية فكرت فيها أن أنتحر من رعب تلك اللحظة وفضولها وفتنتها. أصبح كاتو حقيقياً وسهل المنال إلى حد الشعور بتوسع على شكل ترجيح في الروح، وقد عشت لحظة إنتقال كاتو إلى العالم الآخر بشعور التوسع ذلك كما لو كنت هو. رفّت أفكاره عند أفكاري. الحق يا مولاي أننا كنا نحلم الأحلام ذاتها، لذلك تحقق إنتقالي معه بلطافة كما لو كنت أنا هو. أغمضت عيني مثلما أغمض عينيه هو، ووصلت مثلما وصل هو إلى العالم الآخر. وصلنا إلى هناك بعبور لذيذ. هكذا خيل إلي كما لو كنت شهدت إنتحاره. هذا إذا لم أكن يا مولاي أحلم، فقد عشت مشهد إنتحاره بإنفعال لا يطاق. لم تكن هذه أقدم ذكرياتي. هناك ذكرى أخرى تكونت على شكل فكرة مجردة مضمونها، أن الخط المستقيم هو في الحقيقة دائرة تعيدنا دوماً إلى ما كنا فيه، أي أن نموت ونحن نعتمد الموت، لأننا نعيش طارئين، وأننا لسنا في بيتنا، فبيتنا الحقيقي في السماء أو في أي مكان آخر. ماذا يا مولاي لو أراد كاتو أن يعرف الموت بكليته وألا يكتفي به ذهنياً؟ أن يعاني كإنسان وبمجدودية الإنسان؟ أ, من أجل أن يكتشف حياتاً أخرى جديدة؟ وأنا أقرأ تمحورت ميولي حول سرد الأحداث وتشابك المواقف الإنسانية، وبين كل صفحة وصفحة من الرواية وضمن لذتي في القراءة أجد فائضاً من الوقت لكي أفكر. وفي كل مرة يعاجلني قلبي بخاطرة من تلك الخواطر التي تراود القلوب لا الأذهان، خاطرة تكشف لي أنني أنا وكاتو ضحيتان لمصير واحد. عندما يغادر الإنسان العالم بأية وسيلة كانت، كأن يقتل أو أو ينتحر أو يموت موتاً طبيعياً، يغادره يا مولاي لكي يستعيد كونه إنساناً نقياً حتى لو كان قد إرتكب في حياته كل أنواع الفجور والآثام. يطمس الموت مساوئ الميت...فإن الميت لا يعيش ولا يبقى في الذاكرة إلا بما يضفيه عليه البشر الأحياء." تقرير تتقاطع فيه فلسفة الحياة والموت، ويُستأنف فيه الحوار عن الروح والجسد والخلود. يستيقظ كاتب التقرير على ماضي الضحية التي كانها، بعد أن أعاد تركيب الوقائع وتخيل الأحداث، وغرق في الماضي ليطفو في الحاضر، بعد أن فكك حكاية كاتو كأنها ألوان يجزئها. وفي كل كان هو الشاهد والمتفرج والمشارك، والأهم من ذلك كله كان الفيلسوف.نبذة الناشر:إنّ عدم فهْم ما فعله سقراط وعدم فهْم ما فعله كاتو مسألتان مختلفتان.
ينقص التعاطف حالة سقراط، وفي حالة كاتو ينقص الفهم، نحن يا مولاي لا نفهم ما الذي دفع كاتو لكي يلقي نفسه على سيفه، ولا الذي دفعه إلى أن يقرأ كتاباً فلسفياً قبل أن ينتحر، لكننا نفهم الإغواء الذي استسلم له سقراط، إغراء أن يسجل مريدوه وتلاميذه لحظاته الأخيرة؛ وقد فعل ذلك أفلاطون فيما يُعتبر الآن تحفة من تحف الأدب التي كُتبت على امتداد التاريخ.
ولما كنت أعرف يا مولاي؛ أو لأقل على حد علمي أنّ أحداً لم يعثر على كتاب أو حتى دراسة تفسر سبب انتحار كاتو، أو سبب قراءته كتاب "فيدون" الفلسفي لأفلاطون في الليلة التي انتحر فيها، وأنّ شائعات وحكايات وأساطير لا أساس لها من الصحة تناقلها الناس بما لا يخفى على نباهتكم، ولأنّكم انشغلتم شخصياً بمعرفة السبب لكونكم تُقتُم إلى أن تقبضوا عليه حياً؛ قلت لنفسي: يمكنني أن أعيد بناء ما حدث؟.
لذلك شرعت في بناء الحكاية؛ مصمماً على أن أكتب تقريراً لأبيّن ما في ظاهرة حادثتة من خطأ، وما هو صحيح مخفي فيها. إقرأ المزيد