المكتبة السليمانية في إستانبول ؛ معلم من معالم التراث الإسلامي الخالد ( بحث علمي تاريخي توثيقي )
تاريخ النشر: 01/01/2004
الناشر: دار غار حراء
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة نيل وفرات:لم يقف العثمانيون عند الإقتباس ممّن سبقهم فحسب، بل إنهم قاموا بتطوير مؤسّسات الوقف بشكل يتناسب وتطورهم السياسي والإقتصادي والعلمي والإجتماعي والتربوي، وامتازت هذه المؤسسات الوقفية بأبعاد وإعتبارات جديدة لم نجدها إلا في المجتمع العثماني، حتى أصبح الوقف ومؤسساته من الصفات الملازمة للسلاطين العثمانيّين ومن صفات أعمالهم الميزة التي ...تتَّسم بها جوانب حياتهم المختلفة.
وإن أكثر الاوقاف وأكبرَها وأوسَعها - والتي كانت تغطّي معظم الخدمات الدينية والثقافية والإقتصادية والعلمية والإجتماعية - كانت تنشأ من قِبَلِ السلاطين العثمانيين، وكان على رأس هذه الأوقاف: "أوقاف الحرمين" حيث أعطَوها الأولوية المطلقة، وأقفوا عليها القرى الكاملة بمزارعها وأسواقها وأبنيتها وعوائدها في البلاد الإسلامية وفي البلاد التي افتتحوها في أوربة، وتفضيلهم لأرض الحرمين على جميع أراضي الدولة العثمانية، وإهتمامهم بشكل واضح وجليّ على إمتداد عصور الدولة وتعاقب سلاطينها.
وبمثل هذا الإهتمام الفذِّ بالأوقاف ومؤسّساتها كان إهتمام السلطان القانوني ومَنْ سبقه مِنَ السلاطين بالتراث الإسلامي ومخطوطاته العلمية، فأسّسوا المكتبات، وجلبوا إليها المخطوطات ونسخوها من أماكن مختلفة، كما أن بعضهم - كالسلطان محمد الفاتح، جلب بعض الكتب العلمية والثقافية من أوربة وقام بترجمتها، بل وجعَلها بعضُهم بديلاً عن الجزية في الدول الأوروبية التي افتتحوها.
وأخذ السلاطين في أول الأمر يخصِّصون لمكتباتهم الوقفية ولِما يوقَفُ من المكتبات الأخرى مكاناً داخل المسجد حتى منتصف القرن السادس عشر، حيث قاموا بتأسيس مبانٍ خاصَّةٍ بها، وأخذتْ تُدَوَّنُ هذه المكتبات ومخطوطاتها بوضوح في حُجِّيَّاتِ الأوقاف العثمانية ووثائقها.
ونجد من بين المكتبات السلطانية التي أمر سلاطين آل عثمان ببنائها: "مكتبة السليمانية" التي أمر السلطان سليمان القانون بتأسيسها خلال الفترة ما بين 1545م - 1557م، وقد أُشير إليها في حُجِّيَّة الوقفية الخاصة بمجمع السليمانية، وأصبحت هذه المكتبة تتمتَّع بسمعةٍ عالمية كبيرةٍ لما تحتويه من مجموعاتٍ تراثية قيِّمة اشتملت على نفائس ونوادر المخطوطات والكتب والوثائق، مما جعلها مؤسّسة ذات أهميّة متنامية تاريخيّاً، زادها في ذلك إنتقال الكثير من مكتبات إستنانبول إليها، حتى بلغ مجموع خزائنها مئة واثنين وستين خزانة حتى يومنا هذا، وبذلك أصبحت من أكبر المكتبات الإسلامية في العالم، التي تحتوي على المخطوطات العربية والإسلامية، إذ بلغ عددها (67203) مخطوطاً.
وبالرغم من أهمية هذه المكتبة وقِدَمها ومكانتها العلمية، وخاصَّة فيما يتعلق بالتراث العربي والإسلامي، وإحتوائها على نفائس المخطوطات في خزائنها المتعدِّدة، إلاَّ أنَّ هذه المزايا والخصائص ما زالت غائبة حتى اليوم عن الذهنيّة التراثيَّة للعالم العربي ومجامعه العلمية ومؤسّساته التراثية، وسبب ذلك يعود - حسْب علمنا - إلى عدم وجود تعريف شامل لها باللغة العربية.
عليه؛ رأينا أن نقدم هذا العمل المتواضع للتعريف بهذه المكتبة ومؤسّسها ووقفيَّته ومُجمعِها والخزائن التي اشتملت عليها، محاولين بذلك إلقاء الضوء على صرحٍ من صروح مجامع التراث الإسلامي العربي. إقرأ المزيد