تاريخ النشر: 01/01/2006
الناشر: دار النفائس
نبذة نيل وفرات:منذ عصر الصحابة بدأت تظهر ملامح مدرسة تتوجه بالأحكام الثابتة بالنصوص الشرعية من قرآن وسنة نحو تحقيق مقاصد الشارع من هذه الأحكام، بإعتبار أن الشارع الحكيم لم يردف هذه الأحكام غير تحقيق مقاصدها، وبدا ذلك أكثر وضوحاً في فقه كلّ من عمر بن خطاب، وعلي بن أبي طالب،وعبد الله ...بن مسعود، ولم تلبث هذه الملامح أن بدت واضحة لإخفاء فيها في الكوفة، حيث أقام عبد الله بن مسعود، ثم شاعت وإنتشرت في العراق على يد تلاميذ عبد الله بن مسعود، ثم تبلورت في فقه الإمام أبي حنيفة، حيث يتصل سند فقهه بعبد الله بن مسعود الذي لا يخفي تأثره بإجتهادات عمر بن الخطاب كما بدت واضحة لا خفاء فيها في المدينة المنورة، حيث أقام عمر بن خطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود، ثم تبلورت في فقه الإمام مالك أمام دار الهجرة، هذه المدرسة التي أطلق عليها فيما بعد (مدرسة أهل الرأي)مقابل (مدرسة أهل الحديث) التي كان فقهائها أكثر وقوفاً عند ألفاظ النصوص، وأقل توجها " بالأحكام نحو مقاصدها . وقد إنضم الى هذين الإمامين العظيمين من أئمة فقه الرأي، أبو حنيفة، ومالك، إمام ثالث هو: الليث بن سعد في مصر، وكان الليث قد تفقه بمذهب الإمام مالك ثم إستقل بالإجتهاد لنفسه، وفقه الرأي عند هؤلاء الأئمة لا يعني : أعمال الرأي في مقابلة النصوص الشرقية الصحيحة الثابتة، ولكنه يعني : أعمال الرأي في فهم النصوص الشرعية والعمل بها، فإذا ثبت النص صحيح السنة، قطعي الدلالة على المراد عندهم لم يعدلوا عنه ليعلموا بالاجتهاد، ولكنهم يجتهدون في العمل به.
لقد تقاربت إجتهادات هؤلاء الأئمة الثلاثة حتى كادت قي بعض الأحيان أن تتماثل، حتى أصبح يعرف قول الإمام منهم من قول الإمام الآخر، حتى وصل الأمر عند الحنفية الى أن يقولوا إذا طلبت حكم مسألة في مذهبنا فلم تجده، فإطلبه عند المالكي، فإن وجدته فخذ به، فإنه مذهبنا. وكان ابن وهب تقرأ عليه مسائل الليث، فمرت به مسألة فقال رجل من الغرباء: أحسن والله الليث، كأنه يسمع مالكاً يجيب، فيجيب هو، فقال إبن وهب للرجل: بل إنه كأن مالكاً يسمع الليث يجيب فيجيب هو، والله الذي لا اله الا هو مارأينا أفقه من الليث. ولذلك عميّ على مذهب ليث بن سعد على البعض، حتى ظنه كأنه حنفياً، قال إبن طلعان: رأيت في بعض المجامع أن الليث بن سعد كان حنفي المذهب. ولعل الذي قال هذه المقولة رأى كثرة موافقة الليث لأبي حنيفة. وظنه البعض الآخر مالكياً. والحق أن الليث تفقه بمالك، ولكنه لم يلبث أن تحرر من الإلتزام بأقوال الإمام مالك، وأخذ يختار لنفسه، وإستقل عن مالك. قال إبن النديم: " الليث بن سعد من أصحاب مالك، وعلى مذهبه، ثم إختار لنفسه" وفي إختياراته هذه كانت له إنفرادات خالف فيها سائر الأئمة. لقد فاق الليث أستاذه مالكاً وقد شهد له بهذا التفوق أئمة أعلام منهم الشافعي، فقد كان يقول الليث أفقه من مالك، الا أن أصحابه لم يقوموا به. ومن أسباب تفوق الليث على الإمام مالك في الفقه كما يرى الشافعي، أن الليث كان أتبع للأثر من الإمام مالك، كما سيظهر ذلك للقارئ من الراسلة التي جاءت في سياق الكتاب والتي وجهها الإمام الليث الى الإمام مالك.
ولذلك فإن الأمور التي كان الشافعي يتحسر عليها هو فواته الأخذ عن الليث حيث قال: ما فاتني أحد فأسفت عليه ما أسفت على الليث وإبن أبي ذئب. الا أن تفوق الليث على مالك في الفقه لم يشفع لمذهبه بالبقاء، فقد ضاع فقه الليث لأن أصحاب الليث لم ينشروه، ولم تبقى منه نقول متفرقة في بطون الكتب. من هنا تأتي أهمية هذا العمل الذي وفّى لهذا الإمام حقه من خلال الإهتمام بفقهه وتكريس هذه الموسوعة له التي جائت ضمن عمل من أجل الحفاظ على فقه السلف، وتحت عنوان "سلسلة موسوعات فقه السلف" حيث سبقها كل من (موسوعة فقه سفيان الثوري)، (موسوعة فقه إبن تميمة)، (الموسوعة الفقهية المسيرة)، (موسوعة فقه عمر بن عبد العزيز)، وبالنسبة لموسوعة فقه الليث بن سعد فقد كان العمل فيها مضنياً إذ أن تم جمع هذه المادة التي كانت فتاوى منثورة هنا وهناك، ثم جمعها من كتب التفسير والأثر والفقه، ثم تم نظمها على أمل أن تكشف عن طبيعة تفكير صاحبها، وتساعد على صياغة مذهبه. إقرأ المزيد