العراق الجديد الإمتناع والممانعة - قراءة تشريحية في ازمة الظاهرة السياسية وتفكيك صناعة الأزمة
(0)    
المرتبة: 84,061
تاريخ النشر: 08/08/2008
الناشر: دار الفارابي
نبذة نيل وفرات:بكل بساطة ووضوح لا يمثل هذا الكتاب الماثل بين يدي القارئ بحوثاً توثيقية ولا تحليلاً تاريخياً، فالعراق الذي كان من أكثر البلدان سرية باتت وثائقة تباع فوق الأرصفة وحيث فتح باباً تعويضياً عن نقص عائدات دور النشر بكتابة مئات المطبوعات التي لا تزال بحاجة لفرز ما هو خيالي عما ...هو واقعي توثيقي، وإنما هو مقالات في البنية والنسق للكيان السياسي الذي يراد له أن يكون مشروعاً سياسياً، وهي بالتاي مقالات ميزتها كانت هي التأمل بالثوابت والمتغيرات من خلال متابعة كتابية للمستجد العراقي منذ دخول القوات الأجنبية لبغداد، وحتى تولي السيد نوري المالكي منصب رئيس الوزراء، أي قبل دخول مرحلة رجوع العراق إلى فتح صفحة أخرى مع إيران وسوريا ومحاولة قيام تعاون بينهما لمكافحة الإرهاب ومن ثم البدء بمؤتمرات شرم الشيخ وإعادة التفكير بنقل الديمقراطية العددية إلى ديمقراطية توافقية، ثم الدخول في نسق متاهة جديدة بدأت بانهيار مقولة التصالح الوطني وقيام حلف بغداد الرباعي في الشهر الثامن من عام 2007، التي سبقها تغير في المعجم الدولي الذي ترك مقولة خارطة الطريق إلى مقولة الفوضى الخلاقة لتتكرر الحلقة المفرغة في ميدان العمل العراقي داخلياً، ويترنح النظر في تحديد مستلزمات القراءة للقوى الكبرى خارجياً، إلى أن انتهى قرار مجلس الشيوخ الأمريكي بتقسيم العراق في نهاية الشهر الثامن لعام 2007.
وبالتالي فالكتاب لا يمثل بحثاً في تجريدياً في الفلسفة السياسية، ولا يسعى لعملية قران تاريخية تجهد نفسها في سرد وقائع جديدة وربطها بتاريخ سالف. وأيضاً ليس في هم النقد اليومي والمدافعة عنه على غرار ما كان الأمر في كتاب المؤلف الكتاب السالف "دع العاصفة تزمجر أكثر: يوميات من مقاومة الخراب العراقي". لذا فهذا الكتاب لا هو تحلي نظري خالص، ولا هو توثيق تاريخي متعهد، وهو بالإضافة إلى ذلك لا يخلو في بعض الأحيان من الخطابية لكون أحد متلقيه هو الإنسان العادي. فالكتاب قراءة يومية في بنية الفعل ونسق الفكر لحدث يتجدد، وعليه كانت القراءة تختلف وتتغير تبعاً لتغير الواقع الخارجي، إذ من دون هذا تبطل أن تكون أي قراءة بأي منهج كان، كافية بأن تكون: سياسية.
وبما أن الكتاب نظرة إلى "الفعل" السياسي وليس إلى "القول"، كان لزاماً علينا ترك المساجلة في النظريات السياسية والمشاريع التي تم طرحها، فضلاً عن مناقشة مئات الكتب التي تحدثت عن العراق أجنبية كانت أم عربية، وللسبب ذاته أيضاً كان هناك هاجس هدفه تقريب القول من ذهنية القارئ العامي البسيط قدر الإمكان، خصوصاً وأن سلبيات الأمر تقع على عاتقه هو أولاً، لذا من الظليمة المضاعفة أن يكون في المصيبة متقدماً وفي الفهم متأخراً.
ولعل أهم إيجابيات مثل هذا الكتاب أنه يعتني بالفعل وليس بالقول (رغم أن الفعل ينتجه قول والقول ينتهي أو ينبثق من فعل)، هو أنه ليس قولاً مختوماً كالبحث، فيكون هناك محاولة للاستيعاب وإقفال القول عبر تسويره، وإنما بالعكس فإنه هنا ليس كاتباً وقارئاًن وإنما هو قول فقط حيث الكاتب نفسه يجلس في صف القراء. كاتب يطل من نافذة المنفى والأسى ليجد وطنه يحترق مرة أخرى مرغماً إياه على تجرع مرارة جديدة.
إن من أساسيات أي خطاب يحاول أن يكون إنسانياً، أن يستمع للأطراف الأخرى ويطلع على أدلتها. لذا فهذا الكتاب يحاول أن يكون مختلفاً عن سياقات الخطاب الإعلامي العروبوي واليقينيات العراقية على السواء، أي أنه غريب مرتين.
هي إذن محاولة في الإبصار بين أدخنة المحارق، هو كتاب يطالعه الكاتب والقارئ حيث كلاهما لا يملك سوى الكلمات في عالم يتسيد الخطاب فيه بالكلمات، وحيث تحترق البراءة والأوطان تضيع، فبتنا نقرأ خارطة الحريق بحرق بابل كرة أخرى فتتجدد مراثي إرميا: "كيف جلست وجدها المدينة الكثيرة الشعب. صارت كأرملة العظيمة الأمم".
فلم يكن إيديولوجيا خارطة الطريق إلا الكثير من الدخان والقليل من الإضاءة، إذ إن السياسة بطبعها لن تكون سوى: نار غير مقدسة. إقرأ المزيد