تاريخ النشر: 01/01/2005
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر
نبذة نيل وفرات:ابن الفارض، هو أبو حفص عمر بن أبي الحسن الحموي الأصل. ووالده اسمه علي بن المرشد، وكان فارضاً، ولذا قيل: ابن الفارض. ووالده هو عالم وقاض، فضلاً عن أنه اختص بالمواريث وقسم أنصباء الميراث. ويعرف علي بن المرشد بأنه ورع متدين، عني بابنه وقام بإرشاده. وكان عمر محباً لوالده ...إذ لازمه حين مرض عند الفراش حتى توفي الوالد.
ولد ابن الفارض في مصر، وكان بداية قد بدأ يسلك مسلك المتصوفة، إذ حبب إليه الاختلاء فكان يذهب إلى شوقي القاهرة إلى مكان يعرف بوادي المستضعفين قرب جبل المقطم. وهناك يتعبد ويلتزم الاعتزال عن الناس أياماً، ثم يرجع إلى البيت.
ويطرأ تغير على حياة ابن الفارض الذي يبصر مرة في مدرسة السيوفية شيخاً يتوضأ، وكان هناك يصلي في جانب من المدرسة، فلاج له خطأ الشيخ في ترتيب الوضوء، فتقدم إليه محاولاً توضيح أمر هذه العبادة غير أن الشيخ يطلب إليه أن يذهب إلى الحجاز ويدع مصر، فإنما يأتيه الفتح هناك في تلك البقاع المباركة وتتكشف له الحقائق، ويدرك أن محدثه هو الشيخ العارف أبو الحسن البقال، وإنما كان يظهر له ما أظهر في الوضوء اختباراً وامتحاناً له. ويذكر ابن الفارض للشيخ صعوبة تنفيذ هذا المطلب، فيشير الشيخ بيده لتنفتح أمام ابن الفارض البلاد، فيرى مكة ماثلة ليدخلها.
ولسنا بصدد مناقشة هذه الرواية، وإنما نجد فيها أن ابن الفارض التزم خط التصوف، وبدأ يعد نفسه لأمر عظيم. ويقيم ابن الفارض برهة في مكة، صارفاً وكده وجهده إلى التزهد والخلوة والعبادة. وإذا نظرنا في شعره فإننا سنجد أنه يصف الأماكن وصفاً بارعاً دقيقاً، بعلائم ومميزات تختص بها، فهو خبير خبرة الجاهليين من الشعراء بمواقع قومهم. غير أن الفارق جوهري هنا، فلن تجد إلا الأرض والسماء والشجر والمحبوبات عند ابن الفارض، ولن تجد إلا حركة تسير في اتجاه واحد، وتسلك طريقة لتجتمع معالم شرائعها، ثم تتصفى في درب واحد، وراء كل الأقنعة، وخلف كل رمز من رموزه.
وبالنسبة إلى شعره فهو من طبيعة شعر عصره، يرتدي نفس الزي، ويشرب من نفس المشرب، والمحسنات اللفظية والمعنوية تظهر ببراعة نادرة، وسبل المزاوجة بين الألفاظ كثيرة متعددة، فيكثر الجناس عنده والطباق على نحو واضح. ونرى شعر الدوبيت والمواليا كما في عصره، وكذلك نراه ينتحي منحى الألغاز. ويمكن للمرء أن يستخلص أن ابن الفارض قد مر في شعره بمراحل، فنحن نحكم على التائية الكبرى والصغرى واليائية أنهما زبدة ما في براعة ابن الفارض. وثمة بعض القصائد الطوال تتراخى فيها الأنفاس لتظهر فيها المعاني العامية، والتراكيب المفككة، والتجاوزات الكثيرة.
والحق أن ابن الفارض عملاق شعر التصوف، لا يكاد يدانيه أحد في هذا المضمار. وقد تفرد بصور لم يسبق إليها. واستطاع أن يشغلنا بالمستوى النحوي والبلاغي شغلاً عميقاً وتاماً، برغم اتهام المحدثين له ولعصره خطأ بالجمود. إقرأ المزيد