النظام القانوني الواجب الإعمال على العقود الإدارية الدولية أمام المحكم الدولي
(0)    
المرتبة: 93,468
تاريخ النشر: 27/01/2008
الناشر: منشورات الحلبي الحقوقية
نبذة نيل وفرات:لعل ما يمر به عالمنا حالياً من تطور خاصة في مجال التجارة الدولية، يجعل من الأهمية بمكان النظر إلى رؤوس الأموال الأجنبية والسعي لجذبها، وهذا ما حدا بالدول النامية إلى أن تبذل الغالي والنفيس لأجل تحقيق هذا الهدف، تارة عبر منح مزايا وتارة عبر إعطاء ضمانات.
وقد أدت التطورات المتلاحقة ...على صعيد التجارة الدولية إلى ظهور ما يعرف بعقود الدولة، التي أثير حولها الكثير من المشاكل القانونية سواء لجعة الاختصاص القضائي أو لجهة القانون الواجب التطبيق عليها.
وإذا كان ما أثير بحق مسألة القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية يثار أيضاً في مجال العقد الإداري الدولي أمام المحكم الدولي، على أساس أن العقد الإداري الدولي هو أحد عقود التجارة الدولية، فلا خلاف على أن مسألة القانون الواجب التطبيق على العقد الإداري الدولي تحل أيضاً من خلال تعدد المناهج في القانون الدولي الخاص.
إلا أن مسألة القانون الذي يحكم العقد الإداري الدولي أمام المحكم الدولي تفردت بصعوبات تخلفت عن تطور الصراع بين الاتجاهات المختلفة التي عنت بإشكالية جواز التحكيم في العقود الإدارية الدولية، فمن خلال الحجج التي ساقها أنصار عدم جواز التحكيم في العقد الإداري الدولي يمكننا الإجابة على التساؤل الأساسي لهذا البحث، وهو مدى التزام المحكم الدولي بتطبيق قواعد القانون الإداري على العقد الإداري الدولي؟
وثمة صعوبات سوف تواجه المحكم الدولي، وتتمثل الصعوبة الأولى في حالة اختيار الأطراف قانوناً وطنياً يعرف فكرة النظام القانوني المزدوج، في تحديد أي القواعد القانونية الوطنية التي قصد الأطراف تطبيقها على العقد الإداري الدولي، هل قصدوا تطبيق قواعد القانون الإداري أم قواعد القانون المدني؟
حتى في حالة عدم اختيار الأطراف لقانون يحكم عقدهم، يعتمد المحكم على بعض المؤشرات داخل المنظومة العقدية ليحدد طبيعة النظام القانوني الذي يرغب أطراف العقد تطبيقه على عقدهم، فالعقود التي تبرمها الدول التي تعتنق الثقافة القانونية الفرنسية تتميز بنظام قانوني خاص بها، وفي هذه الحالة يتوجب على المحكم الدولي أن يجري عملية تصنيف للعلاقة القانونية محل النزاع وفقاً لقانون الدولة المتعاقدة مباشرة فور الانتهاء من عملية تركيز العقد، فإذا كان القانون الذي حددته عملية التركيز يعرف فكرة العقود الإدارية، يتوجب حينها على المحكم إعمال القانون الإداري.
وقد تعرض القضاء التحكيمي لهذه الإشكالية في مناسبات عدة، إلا أنه تفاوتت الأحكام التي أصدرها هذا القضاء. والواقع أنه للإجابة على التساؤل حول مدى التزام المحكم الدولي في تطبيق قواعد الإداري لا بد من عرض لفكرة العقد الإداري الدولي نظراً للدور البارز الذي تلعبه هذه الفكرة في تحديد معالم هذا القانون.
فقد استند الفريق الذي كان يسعى سابقاً إلى عدم جواز التحكيم في العقود الإدارية إلى فكرة العقد الإداري الدولي محاولة منه للإبقاء على الطابع الوطني لهذا العقد، ولتطبيق قواعد القانون الإداري، وإنه إذا ما لجأ المحكم الدولي إلى تطبيق قواعد القانون الخاص، فإن هذه القواعد قد لا تكون ملائمة للتطبيق على هذه النوعية من العقود.
جانب آخر من الفقهاء اعتبر أن عقد الدولة ليس عقداً إدارياً، نظراً لأن الفكرة مبتكرة ودقيقة، وأن العقد الإداري يتميز بأنه يعطي أفضلية للدولة الطرف في العقد، بينما على الصعيد الدولي يتم استبعاد هكذا نوع من الأفضليات، لذلك فإن هذا الفقه رفض هذه الفكرة أو بالأقل حاول التقليل من أثرها على أساس أنه لا يجوز في مسائل تجارية أن تبرم عقوداً بين طرفين غير متساويين على المستويين القانوني والاقتصادي.
وقد اعتبروا أن تطبيق المحكم الدولي لقواعد القانون الإداري قد تعني تطبيق قواعد قانونية تحابي مصالح الدولة المتعاقدة على حساب مصالح الأشخاص الخاصة الأجنبية.
من جهة أخرى واجه المحكمون صعوبة قانونية تتمثل في أن نظرية القانون الإداري لا يعتبرها الكثير من المحكمين مبدأ عاماً تعرفه كل الدول، لذلك غالباً ما كانوا يتجاهلونها، هذا الأمر دفع الكثير إلى التساؤل عن دور القضاء الوطني والدولي والتحكيمي في نشر نظرية القانون الإداري؟
فواجب المحكم الدولي يرتكز في أن يحسن تكييف العلاقة القانونية محل النزاع حتى ولو اصدم هذا التكييف مع مصالح ورغبات الأشخاص الخاصة الأجنبية، بل إن دوره يكتمل إذا ما تمكن من توظيف العقد الدولي لكي يتلاءم مع روح القانون الإداري، والتحدي الحقيقي للمحكم يواجهه في النظم القانونية التي ظاهرها يشير إلى أنها لا تعرف فكرة العقود الإدارية ولكن بيان أحكامها قد يشير إلى عكس ذلك، ونعني بذلك النظام القانوني الإسلامي ودول أمريكا اللاتينية والنظام القانوني الأنجلوسكسوني.
وقد أثار جانب من الفقه أهمية الدور الذي يلعبه القضاء الإداري في إرساء فكرة العقد الإداري الدولي، على أساس أنه الجهاز المتخصص المعني بإرساء مبادئ القانون الإداري، وأن أحكامه تعتبر مصدراً أساسياً من مصادر القانون الإداري.
وإذا كان للبحث في مدى التزام المحكم الدولي لقواعد القانون الإداري الصعوبة الأساسية التي يحاول سردها هذا البحث إلا أنه لم يتغاضى عن الواقع الأساسي الذي يسيطر على اختيار الأطراف لقواعد القانون الوطني، فاختيار القانون الوطني لم يكن محل ترحاب دائم لأطراف العقد الإداري الدولي، ففي عقود البترول مثلاً على الرغم من أن الدول المنتجة للنفط ترى أنه من مصلحتها أن تخضع عقودها للقانون المحلي، فإنه بالنظر إلى حاجتها إلى الإيرادات، تضطر هذه الدول في كثير من الأحيان إلى القبول باختيار قانون الدول المصدرة للرأسمال أو القانون الدولي، وحتى في حالة اختيار الأطراف لقانون الدولة المتعاقدة، فإن هذا القانون كان دائماً يتهم بأنه غير متخصص أو لا يفي بمتطلبات العقد.
وتعتبر معاهدة واشنطن خطوة هامة نحو خلق نظام قانوني حقيقي يتضمن قواعد قانونية دولية ملزمة تتعلق بنوع معين من عقود الدولة وهي عقود الاستثمار، فهي المعاخدة الوحيدة التي تشير إلى إعمال قواعد القانون الدولي العام.
وفي إطار إبراز الصعوبات القانونية التي تحيط تطبيق القانون الوطني أو الدولي على العقد الإداري الدولي، ظهرت نظريات تنادي بتدويل العقد الإداري الدولي على اعتبار أنه تصرف قانونب دولي وأن الشخص الخاص الأجنبي يملك أهلية قانونية جزئية تتيح له بأن يكون شخصاً قانونياً دولياً لأغراض العقد.
أخيراً كثيراً ما يشير الأطراف إلى تطبيق قواعد التجارة الدولية والمبادئ العامة للقانون، هذه الإشارة عادة تأتي مقترنة بقانون آخر معها، لإيمان الأطراف أن هذه القواعد والمبادئ لا تكفي لوحدها لكي تحكم العقد، فإلى أي مدى يمكن تطبيق هذه القواعد على العقد الإداري الدولي وهي القواعد المبهمة والغير محددة؟
هذه هي مجمل المحطات القانونية التي تم الوقوف عندها في سياق البحث، والتي تولى عرضها من خلال تقسيم ثنائي يعتمد بالدرجة الأولى على اختيار الأطراف للقانون الواجب التطبيق على العقد الإداري الدولي أمام المحكم الدولي، إلا أنه نظراً لأهمية تطور فكرة العقد الإداري الدولي وأثر هذا التطور على القانون الواجب التطبيق، ونظراً لانشغال ساحة التحكيم الدوي بحواز التحكيم في العقد الإداري، هذه المرحلة التي كانت السبب في ولادة إشكالية القانون الواجب التطبيق على العقد الإداري الدولي، فقد رأى أنه لمن المفيد أن يعرض لهاتين الإشكاليتين في فصل تمهيدي. إقرأ المزيد