تاريخ النشر: 01/01/2000
الناشر: دار نظير عبود
نبذة نيل وفرات:كان الأدب الجاهلي شفهياً يحفظ في الذاكرة لا في الأوراق. والشعوب الفطرية أحدّ ذاكرة من الشعوب المتحضرة التي شاعت الكتابة عندها لأن الشعب الذي لا يملك الكتابة ليعتمد عليها في حفظ آثاره، يضطر إلى استخدام ذاكرته للحفظ، فتقوى بالاستعمال، ويسهل عليها اختزان مختلف الآثار. وتكثر الرواة في العصور الشفهية، ...فتقوم مقام الكتب والدفاتر. وكان لكل شاعر في الجاهلية راوية يحفظ شعره، ويروّيه الناس، وربما روى الشعراء بعضهم لبعض. فقد كان زهير راوية لأوس بن حجر، والحطيئة راوية لزهير، وقد تشتهر قصيدة لشاعر فترويها قبيلته كما اشتهرت معلقة عمرو بن كلثوم، فكانت بنو تغلب تعظمها، ويرويها كبارها وصغارها. وبطريق الرواية دوّن الأدب الجاهلي في الإسلام بعد شيوع الكتابة، ولكنه لم يصل سالماً، فقد شاع منه شيء كثير لم ينقله الرواة في الحفظ، وحرصهم على التكسب والحظوة به. حتى أنهم وضعوا أشعاراً على آدم وإبليس والملائكة والجن، وعلى عاد وثمود والعمالقة. ومنها منافسات علماء البصرة والكوفة في إيراد الشواهد الشعرية لتفسير الألفاظ التي أشكل فهمها، وتخريج المسائل اللغوية والنحوية. والأدب الجاهلي في معظمه قائم على الشعر؛ لأن أكثر ما جاءنا من النثر مشكوك فيه. حتى لو صحت الخطب التي خلصت إلينا، وهكذا يصح القول في الأمثال وسجع الكهان. والإنسان الفطري، في صفاء نفسه وفيض شعوره وصدق مخيلته، شاعر بالطبع.
ولذلك كانت لغة النثر في الشعوب القديمة محاكية لغة الشعر في مجازها وخيالها وموسيقى ألفاظها. والأدب العربي في طفولته لا يخرج عن هذه السنة الطبيعة. فلغة النثر كلغة الشعر تكاد لا تختلف إلا بالأوزان والقوافي. والشعر في أول أمره لم يكن إلا أشطراً لا ضابط لها، يرتبها البدوي على هواه ويتغنى بها ويحدو إبله. ولعل السجع الذي كان ينطق به كاهن القبيلة وشاعرها هو المظهر الفني الأول للأدب العربي، بل هو المادة المشتركة بين الشعر والنثر. ثم أخذ الشعر ينفرد بأوزانه وقوافيه، فظهر أولاً بحر الرجز ألين البحور وأدناها إلى السجع في حال تطوره، ثم تفرعت البحور وتنوعت، فما تلألأت النهضة بالمهلهل وامرئ القيس إلا كان للشعر أوزان مستقلة، وأصبحت القصيدة تنظم على بحر واحد لا تحيد عنه مهما تطل أبياته. ومهما يكن من أمر فإن للأدب العربي في الجاهلية وفي صدر الإسلام روائعه وأربابه.
وقد آثر بطرس البستاني أن يجمعهم بين دفتي هذا الذي تناول فيه حياتهم وآثارهم ونقداً لهذه الآثار. وتجدر الإشارة إلى أن المؤلف أغنى دراسته الأدبية التاريخية هذه باستهلال ضم لمحة تاريخية وجغرافية لديار العرب. ومن ثم تم التطرق إلى أحوال العرب الاجتماعية مستعرضاً بعدها لغتهم وأدبهم لينطلق بعد ذلك في رحاب استعراض أدبائهم وأدبهم الذي عمد إلى نقده.
وقد ضم الجزء الأول من هذا المؤلف أدب وأدباء العصر الجاهلي وصدر الإسلام، وضم الجزء الثاني والرابع أدب وأدباء العرب في الأندلس وعصر الانبعاث، وتم تخصيص الجزء الخامس للشعراء والفرسان. ولا ننسى أن المؤلف وعند كل حقبة كانت له دراسة تاريخية اجتماعية سياسية أعطى من خلالها صورة عن تلك الحقبة. إقرأ المزيد