تاريخ النشر: 01/01/1994
الناشر: دار الصفوة
نبذة نيل وفرات:تعوّد النبي (ص) منذ شبابه على التأمل والتفكر في الكون ومن كوّنه والسماء ومن بناها والأرض ومن سوّاها. في الخلق وأحواله, في العالم وتقلباته، في هذه الدنيا وأفراحها وأتراحها. وكان في حيرة من أمر هذه الدنيا، لا بد لهذا الكون من مدبّر ولهذا العالم من مدير ساهر قادر حكيم، ...إنه في حيرة، والتأمل والإيمان فيه لا يوصل إلى نتيجة. وقصة الأصنام والأوثان وعبادتها قصة هزء وسخرية وجهل، وليس من عنده ذرة من العقل أو قليل من الكرامة يرضى لنفسه أن يصنع حجراً أو خشباً ثم يجعله آلهة يعبدها ويقدسها ويرجع الأمور كلها إليها!
ورأى أخيراً أن يبتعد عن الناس ومقالتهم والضوضاء وإزعاجها؛ يبتعد ليخلد بنفسه لعله يجد حلاً لمشكلته هو فيتخلص من هذه الحيرة ومشكلة المظلوم التي كانت جزءاً من تفكيره وتأملاته. وكان غار حراء هو المكان المناسب لبعده عن الناس ومشاكلهم وضوضائهم، وكان يذهب إلى هذا الغار في وسط الجبال وبين الشعاب كلما سنحت له الفرصة، ويقيم فيه ساعات أو أيام. وكان يخص رمضان من بين أشهر السنة فيقيم فيه رمضان كله وحيداً لا جليس ولا أنيس غير هذه التأملات. وكان يقنع من الدنيا في قوت متواضع يحفظ به حياته، تحمله إليه زوجته خديجة أم المؤمنين. إنه في هذا الغار يفتش بينه وبين نفسه عن حقيقة الكون وخالقه ومدبره.
إن تلك الأصنام والأوثان المكدسة ومن حولها كهُبَل واللاّت والعزّى ومَنَاة وغيرهما من الأخشاب والأحجار، لا تقدر على خير ولا على شر، مثلها كمثل أخشاب الدنيا وأحجارها. وبقي على تلك الحال حتى بلغ سن الأربعين من عمره. وفي يوم من الأيام، أو ساعة من الساعات، أو ليلة من الليالي، أو لحظة من اللحظات... بينا هو، كذلك، وإذ بصوت يقرع أذنيه وينفذ إلى قلبه يناديه: "اقرأ يا محمد"، فيستمع إليه بدقة ودهشة وحيرة ثم يجيب: ما أنا بقارئ. وقد تكرر الطلب وتكرر نفس الجواب. وأخيراً قرأ عليه الأمين جبرائيل وقرأ هو معه: (إقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم). وكان النبي قد تأخر عن عادته في الرجوع إلى المنزل. قال رسول الله (ص): "انصرفت راجعاً إلى أهلي حتى أتيت خديجة، فجلست إلى جنبها فقالت: يا أبا القاسم أين كنت؟ فوالله قد بعثت رسلي في طلبك حتى يلفوا أعلى مكة ورجعوا. ثم حدثتها بالذي رأيت، فقالت: أبشر يا ابن العم وأثبت؛ فوالذي نفس خديجة بيده إني أرجو أن تكون نبيّ هذه الأمة".
هكذا كانت البداية إلى الدعوة التي حمل أعباءها محمد بن عبد الله والتي وحين عرض عليه وجهاد قريش السلطة والجاه مقابل تركها. أجاب: "والله يا عماه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي عليّ أن أترك هذه الدعوة ما تركتها..".
والكاتب يتناول في هذا الكتاب سيرة نبي الأمة، الذي أدى الأمانة ونصح الأمة، بأسلوب سلس، وبمنهجية موضوعية، وضمن نسق علمي بحثي تأريخي يتيح للقارئ المضي في قراءتها للوقوف وبعمق على شخصية هذا النبي الفذة، وللتعرف على تلك الحقبة التي كانت المجاهرة بهذه الدعوة بمثابة ثورة على معتقدات ترسخت في نفوس أجيال متعاقبة إلى درجة يستحيل تغييرها، إلا أن النبي (ص) بصبره وبأسلوبه وبخلقيته استطاع تغيير تلك المعتقدات ونشر هذا الدين في أنحاء الأرض.
يسرد الكاتب سيرة محمد (ص) بتفاصيلها لتكون مرجعاً لأبناء هذه الأمة ولتكون شخصيته مثلهم الأعلى ويكون (ص) قدوتهم حيث ضاع المثل وافتقدت القدوة في زمننا هذا. إقرأ المزيد