تاريخ النشر: 01/01/2001
الناشر: دار الغرب الإسلامي
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:يتضمن هذا الكتاب خمس رحلات، تصور لنا بعض مدن شرق وجنوب الجزائر في الثلث الأول في هذا القرن. قام بأربع رحلات منها أدباء وعلماء وصحفيون تونسيون معروفون. أما الرحلة الخامسة فقد كانت خلاصة انطباعات شاعر جزائري شهير عن بعض المدن الجزائرية الواقعة في نفس الرقعة الجغرافية.
والرابط بين هذه الرحلات ...الخمسة هو أن الدوافع التي حملت أصحابها على زيارة الجزائر تكاد تكون واحدة. كما أنها تغطي منطقة جغرافية واحدة هي المنطقة الواقعة شرق وجنوب الجزائر، وفي القليل من الحالات تجاوز فيها أصحابها إلى وصف العاصمة، وهي رحلات يكمل بعضها البعض الآخر من حيث التغطية الزمنية، إذ إنها أنجزت في فترات تاريخية متلاحقة.
غير أنه يمكن القول بأن لهذه الرحلات هدفاً موحداً يتمثل في الإطلاع على أحوال الجزائريين، وأوضاعهم الاجتماعية والسياسية والفكرية، والاتصال بالعلماء والمثقفين، وتبادل وجهات النظر معهم، وتجديد الصلة بهم إلا أن دوافع الرحلة اختلفت من رحالة إلى آخر.
فالدافع الذي حدا بالشيخ محمد الخضر حسين للقيان بهذه الرحلة الثانية هو رغبته في زيارة مدينة الجزائر العاصمة بالذات، والإطلاع على حالتها العلمية، بعد أن كان قد زار قبل ذلك مدن شرق الجزائر دون أن يصل العاصمة. وهو يوجز غرضه من الزيارة في مقدمة رحلته إذ يقول: "كنت أسعفت في ما سلف من الزمان بإجراء سياحة في أطراف المملكة الجزائرية، وبقيت النفس مستشرفة إلى إعادتها تارة أخرى إلى مدينة الجزائر نفسها، لنكون على بينة من مقدار ما تبلغ إليه حالتها العلمية، وجلية من أمر أخلاق أهلها الغالبة وعاداتها العامة، فإن لسان العيان أفصح من لسان البيان.
وما برحت هذه الأمنية تتمثل في الخيال، وتجول في العقل حتى مكنتنا الفرصة من توطيدها وإبرازها إلى حيز الوجود في شهر رمضان من هذه السنة".
وتبعاً لهذا الغرض فإننا نجد رحلة الخضر حسين تتركز أساساً على وصف لقاءاته تلك بالعلماء، سواء منهم الذين صادفهم في المدن التي مر بها في طريقه كمدن (سوق هراس)، و(تبسة) و(العين البيضاء) و(قسنطينة) و(باتنة)، أو الذين التقى بهم في الجزائر العاصمة في الدكاكين الثقافية، والمساجد، والدور الخاص أمثال الشيخ محمد بوقندورة الشيح الحنفي بالجزائر، وعبد الحليم بن سماية، ومحمد بوشنب، وعبد القادر المجاوي وغيرهم.
وبذا، فإن رحلته لم تتجاوز هذا الهدف الذي حدده لنفسه إلا لماماً كوصف بعض حلقات العلم والتدريس، أو المناظر الطبيعية لمدينة الجزائر.
على أن الدافع لرحلة أحمد حسين المهيري اختلف عما قصده الخضر بن حسين من رحلته العلمية، إذ كان غرض المهيري الإطلاع على الأحوال العامة للقطر الجزائري، وتسجيل ملاحظات عن ذلك لقراء جريدته.
وقد حدد هذا الغرض في مقدمة رحلته بقوله: "منذ مدة ونحن في غاية التشوق إلى الإطلاع على أحوال القطر الجزائري المجاور لمملكتنا، إذ نرى من العار عدم الإطلاع على أقرب الممالك الإسلامية إلينا، فعزمنا بحول الله سبحانه وتعالى أن نجري رحلة استكشافية، وننشر خلاصتها إلى قرائنا الكرام.
ومع أن الهدف الذي حدده من الرحلة كان واضحاً فإن حسين المهيري لم يقتصر في رحلته على وصف أحوال القطر الجزائري فحسب، وإنما كانت له اتصالات بعدد من العلماء والشعراء أمثال: أحمد عباس بن حمانة، والشيخ محمود قشوط، والأمين العمودي، وغيرهم ممن ورد ذكرهم في الرحلة.
أما رحلة سعيد أبي بكر إلى الجزائر، وبالأحرى إلى (عمالة قسنطينة) فقد كان الدافع إليها ما بلغه من الناس في تونس من أن جميع مدن الجزائر آيلة إلى التفرنس، باستثناء مدينة (قسنطينة) التي حافظت على شخصيتها العربية، فحفزه هذا الحديث على شد الرحال للإطلاع على هذه المدينة التي صدمت في وجه الاستعمار، ورفضت التفرنس.
والحقيقة أن هذه الرحلة بالذات حققت غرضها المرسوم، ومكنت كاتبها من الإطلاع على كثي على حقيقة الأوضاع التي يعيشها الجزائري في ظل الاحتلال الاستعماري، وقد يعود ذلك إلى شخصية صاحب الرحلة، وما يتحلى به من حس صحفي ودقة ملاحظة، ومشاعر وطنية، وصلات وطيدة، وسمعة سبقته إلى تلك الربوع فجعلت المثقفين الجزائريين يحتفون به أينما حل، وييسرون له سبل الاتصال.
ولعل هذه الرحلة تلتقي في الكثير من أغراضها ودوافعها ومراميها، مع رحلة صحفي تونسي آخر شهير، هو الطيب بن عيسى القرواوي الذي كان من أكثر الصحفيين التونسيين إدماناً على الرحلة مشرقاً ومغرباً، بغرض السياحة في الأقطار العربية والإسلامية، وأيضاً للتعريف بجريدته (الوزير)، والترويج لها.
أما الرحلة الخامسة التي نشرتها جريدة (الوزير) للشاعر حمزة بوكوشة فقد جاءت تلبية للدعوة التي وجهتها الجريدة للشاعر بأن يكتب لها مشاهداته عن المدن الجزائرية، فاستجاب لهذه الدعوة بأن سجل للقراء التونسيين ملاحظاته ومشاهداته أثناء عودته من بلدة (دلس) الواقعة شمال الجزائر حيث يعمل مدرساً في إحدى المدارس إلى (وادي سوف) مسقط رأسه، فوصف في هذه الرحلة المدن التي اعترضت طريقه وهي: (دلس) و(الجزائر) و(بوسعادة) و(بسكرة) و(القمار) و(الوادي) مستعرضاً من خلال ذلك ملامح هذه المدن، وما شاهد فيهات من نشاط فكري وعلمي، ونهضة إصلاحية ومقاومة للانحراف والطرقية.
وهكذا فإن هذه الرحلات تلتقي حول هدف واحد، هو الإطلاع على أحوال القطر الجزائري الشقيق، وتحسس المشاكل التي يعانيها مواطنوه، والتنديد بالمستعمر، ونقل صورة عن ذلك الواقع إلى القارئ التونسي الذي كان شديد التلهف لمعرفة ظروف إخوانه وأشقائه.
ونتيجة لما اقتنع به هؤلاء الرحالون إثر مشاهداتهم أوضاع الجزائريين وأحوالهم النفسية، وملامسة العمل الجاد الذي كانوا يقومون به لإصلاح أوضاعهم الداخلية، فقد جاءت هذه الرحلات مفعمة بالتفاؤل بمستقبل هذا الشعب، مشيدة بوعي الجزائريين وهممهم العالية، واستماتتهم في الحفاظ على شخصيتهم القومية التي لم ينل منها المستعمر. إقرأ المزيد