تاريخ النشر: 01/01/1995
الناشر: دار الثقافة
نبذة نيل وفرات:"انتظريني. أبداً لم يؤخرني عنك سوى بعد مسافة الطريق. أجرجر رجلي المتعبة، أسلخ عني جلد المدينة النتن، أعبر سكة الحديد، وأخترق جزءاً من الغابة. أراك جليلة في البياض، تتمددين بإعياء على السرير، وجو الغربة يعبق برائحة الدواء النفادة. قنينة السيروم المعلقة، وغبرة ترتشق في عرق أزرق بالذراع. العينان ...مغمضتان، وتنفس بطيء متعب لا يكاد يحس... هل تملكين أن ترينني؟ أريد أن أقول كل كلاماً كثيراً ... لماذا لم أقل لك ذلك من قبل؟ هل يكون الأوان قد فات الآن؟... هكذا نحن دائماً، لا نفكر أن نبوح بما في قلوبنا إلا بعد فوات الأوان. أية حسرة تلك؟ وأي ندم؟ الآن أخجل من نفسي، لو فتحت عينيك الآن لرأيت بين يدي لفافة تضم جبنة من النوع الذي تفضلين. هذا القرص الصغير من جبن المعز في لفافة ورق ندية. أعلم أنك تتألمين كثيراً، لكنك تصبرين وتصابرين، فتدارين ذلك ببسمة مجهدة متكلفة... هكذا ستظلين دائماً، توثرين الآخرين، فتغمطين نفسك حقها.
إن ما حداث، كل ما حدث لك، كان بسببي. لا تحاولي أن ترمي كل شيء على كاهل القدر، فنحن في كثير من الأحيان قدر بليد أعور على بعضنا، نحرق ونحترق. أليت على نفسك أن لا أحرم من أي شيء، بعد أن حرمت نعمة الأبوة وأنا بعد طفل صغير على أعتاب مراهقة عاصفة، فكان لي الأكل والكساء ومصروف الجيب وثمن الدواء والكتب والدفاتر. لم تحرميني حتى من السفر في العطل. جاهدت جهاداً مريراً. قلما كنت تأبهين لنفسك ولصحتك، فحين كان لي الطبيب المختص لم يكن لك أنت سوى وصفات الطب الشعبي المرة والتعاويذ.
أمي الحبيبة، افتحي عينيك، أرجوك أن تفعلي. جاهدي كعهدي بك. كلام كثير هذا الذي أريد أن أقوله، وما ملكت يوماً أن أفعل. يغرر هذا الزمن البليد بنان فننشغل في تفاهات كثيرة، تنسينا واجبنا في أن نتفاهم. يجب على الأقل أن نفهم بعضنا. لا معنى لأن تعايش إنساناً عمراً طويلاً دون أن تتفاهما وتتكاشفا. إقرأ المزيد