تاريخ النشر: 01/12/2005
الناشر: معهد المعارف الحكمية
نبذة نيل وفرات:إذا كان للقرن الماضي من رموز مثلت بسلوكياتها المعرفية وجه تواصل وتثاقف، وتحاور بين أطراف هذا العالم باتجاهاته المتعددة: الغرب والشرق، الفلسفة والحكمة الإسلام والمسيحية، الروح والعقل، التأمل والمنطق...
فإن أحداً لا يمكنه أن يتجاوز الفيلسوف والمفكر "هنري كوربان" -الذي طالب لبعضهم تسميته بشيخ العلم- كرمز مشرق. ففيلسوفنا: الفرنسي الجنسية، ...كان له السبق في نقل فكر وتصانيف إمام الفلسفة الألمانية المعاصرة "هيدغر" إلى فرنسا، كما وكان له السبق في خوض رحلة علمية -روحية طويلة بين بلاد الأناضول وفارس، مستجلياً فيها "الأنوار الاسفهبدية" عند شيخ الإشراق السهروردي، شهيد القناعات والتجديد، المقتول في حلب...
والحكمة المتعالية بمبانيها العرفانية والفلسفية والدينية المتوحدة في نسقية إسلامية، عمل "كوربان" على الغور فيها والتعبير عنها، بلغة استفاد منها كل من قرأها غرباً وشرقاً، بعد أن كانت شبه مطمورة بين طيات الأوراق الصفراء، ومحجوبة إلا عن المشافهة التعليمية وحكمة "السنان" أو ما يصطلح عليه بعلم الصدور للصدور، والقلوب للقلوب...
ولقد كان لهنري كوربان، في ذلك كله منهجه الخاص الذي يقرأ على أساسه، وإشكالاته التي أثارها، كما وموضوعاته، ونتائجه التي استخلصها، وعلى أساس هذا المنهج رأى البعض أنه سلك طريق التوفيق بين اللاهوت المسيحي وفلسفة الدين الإسلامي، ومنهم من اعتبره مجرد ناقل في حين تحدث آخرون عن إبداعه، وفيهم من صوره كحلقة في الاستشراق، في قبال من قال بإخلاصه وتحوله الروحي والعقيدي...
إن كل هذا الاختلاف في شخصية وفكر "كوربان" إنما يكشف عن حوارية معرفية هائلة. بين متقابلات متغايرة ومتباعدة تمثلت في الفيلسوف كوربان من خلال رحلته الروحية وسلوكياته المعرفية.
وهذا ما يدعونا إلى الالتزام بحوار معرفي عميق، في زمن بات فيه الحوار ضرورة للتعبير عن الموقف الإنساني في مواجهة العصبيات الفكرية والفلسفية كما العرقية.. وروح الوئام التي تفرضها مرسلات ودلالات الروحية الدينية، في قبال عنف السلطة الواحدة، وجبروت الجريمة والقتل بغير حق، واستهداف المصالح النفعية كرامة الإنسان وحقه في التفكير والتعبير...
لكل ذلط جئنا إلى فلسفة "كوربان"، لنرى مدى إمكانية التصافح والتصالح بين منهج الغرب وعقل الشرق، بين نفعية الرصد الفكري، وروح الضمير المنبسط بأجنحة النور والحكمة المتعالية، بين استعلاء الغالب، وعزة المغلوب، التي لم يخلعها يوماً، بين إرشاد المسيح وكل حوارييه، وهدي محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الأطهار...
سنلقي الضوء على إشكالات وموضوعات ونتائج، تواصلت وتراصت عند شخص بات مؤهلاً ليكون مدرسة، أو بالحد الأدنى ليكون نموذجاً ومثالاً حياً.
نضع هواجسنا عند جماعات تمارس حرفة المعرفة والنقد المعرفي، بروح الإخلاص والصدق والتواضع أمام تجليات الحقائق، إذ لا قيمة فوق قيمة الحق، لأن الحق أحق أن يتبع...
وإذا كان الكلام المباشر حول نتائج وأفكار فلسفة كوربان، فلما تمثل من نقاش وحوارية جادة على أكثر من صعيد.. اخترنا من بينها، المحاور التالية: المحور الأول: الإمام والمسيح. المحور الثاني: هنري كوربان والخيمياء الروحانية. المحور الثالث: فلسفة التشيع. إقرأ المزيد