تاريخ النشر: 01/01/1990
الناشر: وزارة التعليم العالي
نبذة نيل وفرات:إن دور المخطط الحضري لمعالجة المشاكل التخطيطية في المدينة المعاصرة يمكن أن يوضف بثلاثة محاور أولها تحلي مشكلة قائمة وإظهار أخطاؤها وآثارها الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية، وثانيها إيقاف استمرارية المشكلة من خلال إظهار هذه الآثار وبالتالي سيكون منهجاً لاستقاء الدرس منه في المعالجات المستقبلية، وثالثها محاولة تلافي أخطاء المشكلة مستقبلاً ...وصياغة الحل الأمثل للمشاريع أو المقترحات المماثلة وفي كل الأحوال نجد أن اهتمام المخطط الحضري يكمن في خلق البيئة الصحية والسعيدة الملائمة لمعيشة الإنسان ذات الأجواء المناسبة لتهيأة المواطن السليم المؤهل صحياً ونفسياً للقيام بواجباته على أفضل وأحسن وجه.
والمشكلة التي يتناولها هذا البحث هي حالة قد وقعت فعلاً "عملية تغيير استعمالات الأرض في شوارع بغداد الرئيسية من سكنية إلى تجارية. وقد تناول آثارها بعض المختصين في مقالات ودراسات عديدة. ولكن المشكلة تبدو غير قابلة للتوقف لحد الآن، بل أخذت تنتشر في بقية المدن العراقية، لذا كان من الضروري على الاختصاصيين والمخططين الحضريين الشروع بوضع دراسات أكاديمية معززة بحقائق علمية وتجارب سابقة لتوضيح حجم المشكلة أمام صانع القرار.
وإن هدف هذا البحث إظهار جانب آخر لم يتطرق إليه من قبل وهو خسائر الطاقة الكهربائية المتولدة من تغيير بيئة هذه الشوارع من الاستعمال السكني إلى التجاري (عمارة متعددة الطوابق -محلات تجارية في الطابق الأرضي وشقق سكنية ومكاتب وعيادات في الطوابق الأخرى) وأصبحت هذه العمارات غير صحية فقسم منها يواجه أشعة الشمس الحارة طيلة ساعات النهار في أيام الصيف مما يضطر إلى استعمال أجهزة التكييف وبصورة مكثقة وهذا له مساس مباشر بالهدر في عملية ترشيد استهلاك الطاقة. والقسم الآخر من هذه العمارات لا تدخلها الشمس شتاءً مما يجعلها عفنة ورطبة وغير صحية وذلك بسبب تيد توجيه تلك العمارات باتجاه الشارع بالنسبة لأشعة الشمس وبالتالي لا يكون للمبنى فرصة للتوجيه الصحيح إلا صدفة (في حالة تطابق اتجاه الشارع مع التوجيه الصحيح للأبنية المطلة عليه) وبالتالي يكون شاغلو هذه الأبنية مجبرين على العمل والمعيشة ضمن ظروف بيئية فرضها اتجاه محور هذا الشارع وتشكل عدم فعالية التصاميم الهندسية فيما يتعلق (بالتسرب الحراري) والاستعمال غير الرشيد لأجهزة تكييف الهواء أهم العوامل المؤدية إلى تصعيد الطلب على الطاقة. غير أن المعمار البغدادي القديم كان يستخدم شتى الأساليب التصميمية والإنشائية لمعالجة المشاكل التي تسببها البيئة المناخية القاسية ذات العلاقة براحة وصحة الإنسان بحيث وفرت الأجواء الملائمة للعديد من الأجيال السابقة التي كانت تعيش في مدينة بغداد، خاصة وإن ما كان متوفراً لديه من إمكانيات تكنولوجية لم يكن فعالاً، بحيث يؤثر بشكل مباشر على المناخ، ولكن استطاع بوعيه وذكائه أن يبتكر حلولاً ويستخدم أساليب معمارية تقلل من وطأة المناخ وحرارته. إقرأ المزيد