تاريخ النشر: 01/01/2001
الناشر: منشورات بيت المقدس
نبذة نيل وفرات:"أبو بكر الصولي لم يمارس السفارة يوماً، ركب برذونه وانطلق إلى المزدلفة شاعراً بالإثارة تدبّ في جسده، وثقل المسؤولية التي تثبطه عن هذا الإحساس الطرب، كان يعرف أنه يقوم بعمل عظيم، ولكنه في الوقت ذاته كان يفكر بكتابه الذي شارف على الانتهاء، المؤلفون لا دين لهم غير مؤلفاتهم. قال ...الصولي لنفسه: إنه يشارك في كتابه فعلاً لا قولاً. مرّ خاطر الموت على قلبه ولكنه استبعده تماماً، للموت علامات وإشارات لا أستشعرها ولا أحسها أبداً. المزدلفة لا تبعد عن منى إطلاقاً، وما بين المكانين طريق وعرة وقاسية، الريح كانت قد هدأت تماماً ولم يبق إلا القيظ الحارق. الشتاء لا يصل إلى مكة.
وما أن أشرف أبو بكر على المزدلفة حتى فوجئ بجيش القرمطي مستعداً مستفزاً كحل من الأشواك الجافة. كانوا لا يقلون عن عشرة آلاف رجل بين فارس وراجل، مصطفين في كراديس ميمنة وميسرة وقلب. كان لهم عجيج وقعقعة تزعج كل شيء حولهم. وقع شيء في قلب الصولي، ولكنه استعاذ بالله وانحدر إليهم. تقدم وقد اقشعر بدنه، الموقف جيد ومفاجئ وما يخطر بالبال لا يشابه الحقيقة. هذا جيش عرمرم على أهبة الاستعداد للقتل. القرمطي على الورق لا يشبه القرمطي في هذه الصحراء. الصولي الذي تعود على قصر الخلافة لم يشعر أبداً بمثل ما يشعر به الآن، وهو يتقدم إلى القرمطي وجيشه الذي ينشر حوله رهبة تصل إلى قلب السفير.
قرأ الصولي شيئاً من القرآن وهو يقترب من القلب، حيث أبو طاهر وأخوه يوسف وأبناء سنبر وأبو حفص، ترفرف حولهم أعلام حمراء مكتوب عليها: (ونحن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم الوارثين)، و"المهدي حبيب الله". لاحظ الصولي أن أحداً منهم لم ينزل من فرسه، فلم ينزل عن برذونه، وقد أحس بأن مشاعر الخوف تلامس قلبه تنشد جلده. "ماذا لو نقل واحدنا نفسه متجاوزاً حيزا الزمان والمكان ليكون في زمن الخليفة المقتدر لابساً شخصية أبو بكر الصولي، سليل ملوك خبرستان وجرجان، خادم الخليفة المقتدر؟! لا بد أنها ستكون مغامرة ممتعة وعلى وجه الخصوص إذا جاءت من قبل روائي زاده خيال عابق بسحر أحداث تاريخية انسحبت على فترة شاعت خلالها فتنة بين المسلمين وانقسم الناس فرقاً تناوبت على اجتهادات لتذود بموجبها عن مبادئها ومعتقداتها".
وفي رواية "القرمطي" يرحل الروائي بعيداً متجاوزاً زمانه ومكانه إلى ذاك الزمان وذاك المكان ناسجاً من وحي الأحداث التاريخية التي شهد المسلمون أثناءها الخلافات المذهبية، أحداثاً أسقط عليها شيئاً من الحداثة وذلك من خلال أسلوب روائي مشوق ومن خلال خيال طامح إلى العودة إلى الوراء والنظر إليه بعين الإنسان المعاصر. استدراجات وسرديات ممتعة تجعل القارئ يبشر تلك الأحداث مشاركاً فيها حيناً، موافقاً الكاتب أحياناً، ورافضاً لما جاء به خياله في بعض الأحيان. إقرأ المزيد