تاريخ النشر: 01/01/2001
الناشر: بيت المقدس للنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:في هذه المجموعة سيجد القارئ مجموعة من القوالب الفنية التي تشد انتباه القارئ وتحرك خياله، مناخات وتجارب حياتية متنوعة. ورغم أن الكاتب لأنه كاتب ماهر، لا يتعمد إقحام القضية الكبيرة في سياق قصصه، ولكنه لا يدعك تنسى وجودها. إنها ماثلة على الدوام، مثل نهر جوفي قريب من السطح.
في قصة ...(حكاية الديك الفصيح) على سبيل المثال، شاب يضرب أباه الطاعن في السن ضرباً مبرحاً، لأن الأب، رغم كبره، أراد أن يتزوج بعد موت زوجته (أم الشاب). ويمضي بعد ذلك ليعيش مع الدجاج في حظيرتها ويتصور أنه ديك.
ما معنى ذلك؟ وهل هذه الأحداث الغرائبية الشاذة، لها أية علاقة بكون الوضع في فلسطين برمته وضعاً شاذاً؟
وفي قصة (كلمة واحدة وبس)، وهي قصة جميلة جداً، تبدو الحياة عادية على السطح. الناس، أناس عاديون ينتظرون وصول الحافلة (الباص) لتنقلهم إلى أماكن أعمالهم. حين يصل (الباص) تقوم مشكلة أن المقاعد أقل من عدد الركاب ولا بد أن يتنازل أحدهم عن مقعده. وينتهي الأمر بأن يضطروا صبياً صغيراً على المنزل. يقول راوي القصة: "وما أن التفتنا إلى الولد جميعاً حتى بوغت وأحمر خداه وأشاح بوجهه عنا محاولاً أن يحافظ على رباطة جأشه، فقد عرفنا جميعاً أن كل ما نفعله مع هذا الولد هو أننا نستضعفه لأنه صغير الجثة والسن وباستطاعتنا أن نحل الأزمة به".
ثم تنشأ مشكلة أخرى بين الركاب، كما قد يحدث بين ركاب أي سيارة نقل في أي مكان، لولا أننا نتذكر أن ذلك كله يحدث في إسرائيل، وأن السيارة تنقل هؤلاء الركاب إلى حيف، وهي مدينة عربية أصبحت إسرائيلية، وأن الركاب يذهبون للعمل عند مخدمين إسرائيليين في الغالب.
فجأة تأخذ تلك السيارة وركابها وضعاً (مثلوجيا) كأنها سفينة صغيرة هشة تقاوم الأمواج في عرض البحر!
هذا، ومن القصص القليلة التي يقترب فيها الكاتب من التصريح بالمأساة الكامنة تحت السطح، قصة (مستورة والحمد لله). وهي مكتوبة بلغة دارجة لا تقلل من قيمتها الفنية، وفيها يظهر العربي على أن (الضحية) في نهاية الأمر.
وفي قصة (البؤرة) يتبع الكاتب أسلوباً مباشراً، يجعل الأمور أكثر وضوحاً، في القصة رجلان إسرائيليان وامرأة جمعتهم رحلة على (باص) وبينهم مسافر عربي يجلس صامتاً يستمع إلى حديثهم.
يتحدثون عن العرب الذين يسمونهم (عربوش) كأن الراكب العرب لا وجود له بينهم. أحد الرجلين واسمه (يوسي) فخور لأن ابنه بؤدي واجبه الوطني في الأراضي المحتلة. والآخر واسمه (عاموس) يطأطئ رأسه ويخالط العرب ويصادقهم.
يسقط (عاموس) على وجهه وهو ينزل من (الباص) فيهب العربي لمساعدته. .."أنقذني أيها العربوش، احملني عن الأرض.. لا لا أريد أن تساعدني أيها العربوش.. ألستم أنتم السبب؟ لو لكم تكونوا، لو رحلتم، لو تركتم لنا البلاد، لو تعاطفتم معنا، لو أرغمنا كم كلكم على الرحيل، ألا يكون ذلك أفضل وأجدى؟..".
في بعض القصص، يتخذ الكاتب أسلوباً سريالياً يوظفه توظيفاً حسناً في خلاق أجواء من الهستيريا والتوجس والرعب.
من ناحية، يحاول العربي الفلسطيني كما توضح بعض القصص، أن يعيش حياة طبيعية بصرف النظر عن الظروف الشاذة التي تحيط به، وتلك نزعة غريزية في الإنسان من أجل البقاء، يحاول أن يحيط نفسه بسياج من الممارسات اليومية العادية تنسيه -كما يؤمل- الظروف الشاذة التي تكتنفه.
ثم فجأة وعلى حين غرة، يعتوره الإحساس بوضعه المأساوي، وهي حقيقة كما قلت، أبداً كامنة غير بعيد تحت سطح الوعي، تتربص أن تطفو وتعكر صفاء الحياة المؤقت. إقرأ المزيد