تاريخ النشر: 01/12/2003
الناشر: المكتبة البولسية لبنان
نبذة نيل وفرات:بين الإسلام والمسيحية كثيرة هي نقاط اللقاء في المفاهيم، وكثيرة أيضاً نقاط الاختلاف. لذا قد يفيد عرض التصور الإسلامي للعالم وللحياة. في النصوص الإسلامية نجد أولاً تصنيفاً للناس بحسب الأديان التي يدينون بها. قبل ظهور الإسلام، هناك أهل الكتاب من يهود ونصارى، أوتوا الوحي في التوراة والإنجيل، لكنهم حرّفوه. ...وهناك عبّاد الأصنام، أخطأوا وضلّوا لكونهم أشركوا بالله، جاعلين له أنداداً في الألوهة، ولكونهم شبّهوا الخالق بالمخلوق.
إلا أن الله، رحمةً منه، اصطفى محمداً وجعله نبياً ورسولاً إلى الناس أجمعين، وجعله خاتم الأنبياء وخير الأنام. فأسمعه جبريل كلام الله، فدعى الرسول الناس إلى التوحيد الصحيح. وكما ثبت الوحي لموسى في كتاب التوراة، ولعيسى في كتاب الإنجيل، كذلك ثبت التنزيل على محمد في كتاب القرآن.
ولما كان جوهر رسالة الرسول هو التوحيد (الإخلاص 1، آل عمران 64)، صار بموجبه الحكم على المسيحية بالشرك والتشبيه، لكونها تأسست على عقيدتي التثليث والاتحاد. فالقرآن كفّر من قال من النصارى إن الله ثالث ثلاثة (المائدة 73). وصرّح أن الله لم يلد ولم يولد (الإخلاص 3). وكفر من قال من النصارى إن المسيح ابن الله (التوبة 30)، وإن الله هو المسيح (المائدة 72)، وإن لله ولداً وصاحبة (النساء 171، الأنعام 101، مريم 35، المؤمنون 91، الزخرف 81)، أو إن الله أو الرحمن اتخذ ولداً وصاحبة (البقرة 116، يونس 68، الإسراء 111، الكهف 4، ومريم 88،91،92، الأنبياء 26، الفرقان 2، الزمر 4، الجن 3)، ومن قال منهم بألوهية عيسى وأمه مريم (المائدة 116).
فلم يكن للمجادلين أو المتكلمين المسلمين إلا أن يقولوا بقول القرآن، ويمعنوا في إظهار وجوه الشرك التي تضمنته، في رأيهم، عقيدتا التثليث والاتحاد. وعبثاً حاول المسيحيون أن يدفعوا عنهم تهمة الشرك هذه، وذلك باللجوء إلى التمييز بين جوهر الله الواحد وأقانيمه الثلاثة، وبين الولادة الروحانية والولادة الجسمانية، وباللجوء إلى آيات قرآنية فسروها مصدقة ومصححة للإنجيل وما جاء فيه في الله والمسيح. ومن يطلع على كتابات المسيحيين والمسلمين في هذا الشأن منذ القرن الثامن حتى القرن الثاني عشر، لا بد أن يلحظ تكرار التكفير والتبرير، حيث لم يسع أحداً من المتجادلين سوى التمسك بما في كتابه، فلا النصارى تركوا التثليث والاتحاد وقالوا بتنزيل القرآن وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته، ولا المسلمون تركوا تنزيل القرآن ونبوة محمد ورسالته وتخلوا عن اعتبار التثليث والاتحاد إشراكاً بالله.
في المجادلة أخذ كل من الفريقين يتوسل بمقولات ومصطلحات دينية وفلسفية يدهم بها موقفه. هذه المفاهيم والمصطلحات الدينية والفلسفية لها، في هذه "المقدمات" وما تمهد له، حد زمني وحد لغوي. أم الحد الزمني، فهو الحقبة ما بين القرنين الثامن والثاني عشر، حيث تكونت الأنظومتان المسيحية والإسلامية كل منهما في شكلها المتكامل. وأما الحد اللغوي، فهو الكتابات العربية، دون غيرها من يونانية ولاتينية مثلاً. ذلك أن اللغة الواحدة شأنها أن تقارب بين الفريقين وتسهل بينهما عملية التفاهم. أما إن حصل التفهم والتفاهم، فذلك دليل على أن هذا النوع من المحاورة يجدر التخلي عنه والاستعاضة عنه بمنطق آخر ناجم عن ذهنية أكثر انفتاحاً، هذا إذا كان المبتغى لدى الفريقين التعايش والتعاون، مما يقتضي القبول باختلاف الرأي والمعتقد، أو على الأقل التفكير قبل التكفير.
وتجدر الإشارة إلى أن المقدمات التي يضمها هذا الكتاب، وما هي إلا تمهيد لمشروع هو قيد التنفيذ يكون في شكل معجم، يستخرج من النصوص المسيحية والإسلامية، في العصر الوسيط، التعريفات المختلفة لأمهات المصطلحات الفلسفية والدينية أو اللاهوتية، مع احتمال أن يزداد النصوص التي قد تزاد على قائمة المصادر المذكورة في الفصل الأول، واحتمال تجاوز القرن الثاني عشر أو الثالث عشر.
وبالتالي يضم هذا الكتاب في فصله الأول والثاني قائمة بالمصطلحات الفلسفية واللاهوتية المستعملة من قبل المفكرين والعلماء المسلمين والمسيحيين، أما الفصل الثالث فيقدم معالجة لمصطلح الأقنوم، معناه، حدّة رأي علماء المسلمين بهذا المصطلح. إقرأ المزيد