تاريخ النشر: 01/01/1985
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة المؤلف:لا يهدف هذا الكتاب إلى أن يقدم للقارئ العربي دراسة عن سيرة من السير العربية التي ربما لم تكن أشهرها وأكثرها ذيوعاً، ولكنه يهدف أولاً وأخيراً إلى أن يبرز قيمة هذه السيرة بوصفها تعبيراً جمعياً عن إحساس الشعب العربي بحركة الحياة من حوله سياسياً واقتصادياً واجتماعية ودينياً. فقد كان الشعب ...العربي يحس تلقائياً بأن حضارته، وقت ازدهار رواية هذه السيرة، حسبما توصلنا إليه اجتهادياً، تسير في طريق وعر، وأن هناك قوى ظاهرة وخفية تتربص بها، ومن هنا كان الانفعال الجمعي، ومن هنا كان التعبير الجمعي.
على أن أهمية هذا الكتاب تتمثل في جانب آخر، فعندما حاولت أن أصل إلى المهاد التاريخي الذي نبعت منه السيرة، ذلك أن كل سيرة عربية، شأنها شأن الملحمة، ترتكز على أساس تاريخي، وجدت أننا أمام تاريخ أكثر شمولاً وعمقاً من ذلك الذي دونته كتب التاريخ. أما شموليته فترجع إلى أن حركة التاريخ العربي، كما صورته السيرة جمعت بين الحوادث التاريخية التي دونتها كتب التاريخ بوصفها وقائع رسمية، وتفاعل الشعب بهذه الأحداث، وهو ما تهمله عادة كتب التاريخ.
وإذا كان التاريخ ليس مجرد حوادث تقع في الداخل أو في الخارج، وطريقة تعامل الحاكم مع هذه الحوادث، بل هو بالأحرى حوادث تحرك المجتمع بأسره وتنقله من وضع إلى وضع، فإن التاريخ، كما تصوره السيرة، بوصفه حركة حية نابضة للحياة، يعد أكثر شمولية من ذلك الذي تصوره كتب التاريخ في شكله المحدد الخاص.
وأما عمق هذا التاريخ، فيرجع إلى حرص السيرة على الربط بين الجديد والقديم، وإن يكن هذا في إطار قصصي مصنوع. فهي تحاول أن تمتد بالأحداث إلى جذور عميقة ترجع إلى الحياة العربية القديمة، لتصور ما خلفته للعصور الإسلامية اللاحقة من رواسب، وهي تحاول أن تجمع بين القديم والجديد في إطار قصصي محدد بحياة الأبطال، ولكنه في الوقت نفسه يكشف عن عالم عريض وموغل في القدم.
وبهذا تكون السيرة محققة لمفهوم الأدب بمعناه الصادق، إنه التعبير الملح عن حركة الحياة، بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون. وهو الكشف عن حقيقة الحياة، الخفي منها قبل الظاهر. ذلك أن هذا الشيء الخفي هو الذي يمثل جوهر الحياة وحقيقتها. ولقد عنيناً بأن نضع التعبير الشعبى البيزنطي جنباً إلى جنب مع التعبير الشعبي العربي، لا لكي نقوم بعملية المقارنة بني الأدبين فحسب، بل لأن هذا الأدب البطولي البيزنطي يعد في الحقيقة مكملاً للأدب البطولي العربي. إذ لم يحفل الأدب البطولي البيزنظي ببطولاته المحلية بقدر ما حفل بالبطولات العربية. ولم يحفل بحوادث خاصة بقدر ما حفل بحوادث عامة كانت تخص الجانبين، العربي والبيزنطي على السواء. إقرأ المزيد