تاريخ النشر: 01/01/1986
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:الأمة الفارسية أمة عريقة مجيدة، ضربت بسهم وافر في الحضارة والمدنية وارتبطت بأوثق الروابط وأقوى الصلات بالأمة العربية. فقبل الإسلام تجاور الإيرانيون والعرب، وتبادلوا المنافع والتجارة، وقامت بينهم الحروب والعلاقات السياسية، فأثر الإيرانيون في العرب وتأثروا بهم. ولما جاء الإسلام، وتم الفتح العربي لإيران زالت كافة الحواجز والسدود بين ...البلدين، ودخل الفرس في أخوة الإسلام، واشتملت عليهم الجماعة الإسلامية العظيمة، واقبل الفرس على تعلم اللغة العربية، وتكلموا بها وبرعوا فيها، وجدوا في تعلمها ونشرها، كما دون العلماء الإيرانيون مؤلفاتهم ورسائلهم باللغة العربية.
وهكذا صارت اللغة العربية في إيران لغة العلم والأدب حتى أنه لم يتجه أحد إلى الكتابة باللغة الفارسية في القرنين الأولين للهجرة، فلا عجب أن يترك الناس الفارسية وكتبها شيئاً فشيئاً، وأن يهتموا بتحصيل اللغة العربية لغة الدين والقرآن. والحق أن الفري كانوا أنشط العناصر الإسلامية في بناء هذا التراث العربي الخالد، وأكثرهم رغبة في التعاون مع العرب في شتى الميادين العلمية والأدبية حتى تم تشييد صرح الحضارة الإسلامية على هذا النحو الذي يفخر به العرب ويفخر به العجم، بل وتفخر به الإنسانية جمعاء.
وفي القرن الثالث الهجري استطاع الفرس أن ينشئوا دويلات فارسية مستقلة على الدولة العباسية، كما استطاعوا أن يحيوا لغتهم القومية، فرأينا اللغة الفارسية التي كانت قد هجرت وخبا شأنها، تصير لغة حديث وكتابة. ولكنها لم تكن في هذه المرة فارسية الجاهلية الأولى، أي الفارسية القديمة المكتوبة بالخط البهلوي، بل أصبحت فارسية الإسلام المكتوبة بالخط العربي والمطعمة بكثير من العناصر العربية التي تختلف ما بين ألفاظ واصطلاحات وعبارات ونحو وأوزان وقوافي على النحو الذي نفصله بعد قليل.
ولقد تطورت هذه الفارسية الإسلامية تطورا قليلاً جداً منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، بحيث نجدها في صورتها الحاضرة لا تختلف عن أقدم المنشآت إلا من حيث بعض المصطلحات اللغوية دون المساس بأصول اللغة وقواعدها. ولهذا أصبحت هذه اللغة يطلق عليها الفارسية الحديثة أو الفارسية الإسلامية تمييزاً لها عن الفارسية القديمة التي كانت تكتب بالخط البهلوي.
وهكذا كان الوضع بالنسبة للأمتين العربية والإيرانية في عهد ازدهار الحضارة الإسلامية العريقة، فكلتا الدولتين كانت تعرف لغة الدولة الأخرى وتقف على أحكامها ودقائقها، وكلتاهما مؤثرة في الأخرى، ومتأثرة بها ولم يكن هناك غناء لأدباء أي من اللغتين عن تعلم اللغة الأخرى. ومن هنا أصبحت الضرورة ملحة في عصرنا الحاضر لكي يدرس طلبة قسم اللغة العربية "اللغة الفارسية" دراسة جادة مستنيرة، ويتعمقوا في آدابها لأن ذلك يساعدهم مساعدة فعالة على تفهم الأدب العربي: شعره ونثره والكشف عن روافده الفارسية.
هذا بالإضافة إلى أن التراث الفارسي نفسه المكتوب باللغة الفارسية الإسلامية فيه من الروائع الشيء الكثير لا سيما في ميادين الفقه والتصوف والفكر والفلسفة والتاريخ، وغير ذلك من أنواع المعارف الإنسانية التي تعتبرا جزءاً لا يتجزأ من ثقافتنا الإسلامية، والتي إذا ما نقلت إلى لغتنا العربية، فسوف تكسب المكتبة العربية تراثاً خالداً يعتز به العرب كما يعتز به الفرس سواء بسواء.
من هنا أيضاً كان تعلم الفارسية للعرب، كتعلم العربية للإيرانيين شرطاً أولياً لفهم تاريخ كل من الأمتين، ووعي تراثها والوقوف على مدى ما ساهم به العرب والفرس في خدمة الحضارة الإنسانية. ومن هنا دعت الحاجة إلى وجود تأليف في اللغة الفارسية، وهذا الكتاب جاء ليسد هذه الثغرة، وهو يجمع بين دفتيه الأصول والقواعد والتطبيقات والنصوص التي يحتاج إليها الطالب، بحيث يتدرج مع عقلية الطالب العربي ، ويرغبه في دراسة هذه للغة الجميلة التي تمثل حقيقة التفاعل بين الأمتين الفارسية والعربية، وهو تفاعل فكري ومدني وحضاري تم على مدى قرون طويلة. إقرأ المزيد