تاريخ النشر: 01/01/2009
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:ينظر كثير من الناس إلى المسرحية على أنها عمل أدبي مستقل بالإمكان قراءته دون أي ربط به بالمسرح، وذلك كما تُقْرأ الرواية أو ديوان من الشعر.
والحق أن النصّ المسرحي، مهما تبلغ قيمته الأدبية، لا يمكن أن يكشف للقارئ عن كل قِيَمَهِ ومعانيه ورموزه إلا إذا عمد القارئ إلى ربطه ...بالمسرح، مجسّماً شخصياته، متخيّلاً حركاتها وإشاراتها وأسلوب حديثها، متوقفاً عند الإرشادات المسرحية التي يستهل بها الكاتب المسرحي فصوله أو تلك الإشارات والإيماءات التي يومئ من خلالها الكاتب إلى حركة الأشخاص أو طبيعة انفعالاتهم، ليستعين بها على ما يمكن للنص المسرحي كنص توضيحه والإشارة إليه من حقائق اعتماداً على ظهورها من خلال الأداء والإخراج.
وكثيراً ما يتجاوز القارئ وصف المؤلف للمشهد المسرحي مقبلاً على قراءة النص وحده، فيفوته الإطار العام الذي تتحرك من خلاله الشخصيات على خشبة المسرح ما يمكن أن يوحي به من طبيعة العصر، أو المكان، أو الحديث أو الشخصية، كما يعجز عن تخيل دخول الشخصيات وخروجها وحركتها على المسرح؛ وكلها عناصر لا تجري في المسرحية عرَضاً؛ بل يرسمها المؤلف عن قصد لينقل إلى المشاهد صورة كاملة لشخصيات المسرحية وأحداثها وبنائها الفني.
من هنا، فإن قراءة المسرحية تتطلب من القارئ جهداً ودراية لا تتطلبها قراءة نص أدبي أدبي مستقل لأنها، أي قراءة المسرحية، تتطلب معرفة بطبيعة المسرح والأداء والإخراج المسرحي، ومزاوجة دائمة بين الكلمة المكتوبة والحركة الحيّة والجملة المنطوقة، كما تفرض على القارئ التفاتاً إلى إرشادات مسرحية تبدو صغيرة أو "تافهة"، في الوقت الذي يعتمد المؤلف عليها اعتماداً كبيراً كمفاتيح للشخصيات أو المواقف، أو كإشارات لا يمكن أن يقع من أحداث.
وقد لا يلتفت القارئ إلى توجيه مسرحي بأن هناك "لحظة صمت"، فتفوته إحدى الدلالات الهامة في الموقف أو الشخصية، فلحظة الصمت هذه - عند المؤلف - تكوّن جزءاً من الحوار ومن البناء المسرحي يستغني بها أحياناً عن كثير من الكلام والحركة.
والحوار المسرحي كثيراً ما يتضمن إشارات ورموز يترك المؤلف تؤيلها للممثل والمخرج، وهذا يقتضي من القارئ أن يقوم ببعض ما يقومان به من تأويل وهو يقرأ المسرحية.
وقد ظلت ضرورات المسرح وإمكاناته تتحكم في التأليف المسرحي على مر العصور، وإن ظهرت من حين إلى آخر مواهب كبيرة تتمرد على تلك الضرورات فتجبر القائمين على أمر المسرح بإبتكار أساليب جديدة في التمثيل والإخراج.
ومع ذلك تظل تلك المواهب مقيّدة إلى حدٍّ كبير بالإمكانات العامة للمسرح؛ معتمدة في تأليفها على ما تقدره من تأويلٍ للنص عن طريق الأداء والإخراج.
هذا وقد مرّ التأليف المسرحي بأطوار فنية كثيرة تمثل المواهب الأدبية السائدة في كل عصر، من كلاسيكية، إلى كلاسيكية جديدة ورومانسية وواقعية ورمزية وغير ذلك من مذاهب فرعية أخرى، ولكنها على اختلاف تلك المذاهب ظلت - حتى أوائل هذا القرن - محافظة على مبادئ فنية عامة يستخلصها الدارس من استقراء الأعمال المسرحية الكبيرة.
من هنا، تأتي أهمية هذه الدراسة التي تتناول بشكل موضوعي فنون الأدب المسرحي، حيث يتم الحديث وبإيجاز عن تلك المبادئ العامة، وليعقب هذه الدراسة النظرية، دراسة تطبيقية على بعض المسرحيات التقليدية كنماذج، للإنتقال من ثم لعرض ما طرأ من تجديد على التأليف المسرحي، والذي خرج المؤلفون معه على كثير من تلك المبادئ، استجابة لطبيعة المسرح، من ناحية، ولتأثر التأليف المسرحي بنظريات خاصة في الأدب والفن، من ناحية أخرى. إقرأ المزيد