تاريخ النشر: 01/01/2016
الناشر: دار كنعان للدراسات والنشر
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة نيل وفرات:يقول كلود ليفي شتراوس عن إنجازه العلمي الكبير "أسطوريات": "إنه لا يساوي العناء الكبير الذي بذل فيه"، ليس في القول، الذي يمس عملاً من أربعة مجلدات في آلاف الصفحات، ما يدلل على غرور أو تواضع، بل أن فيه ما يصرح بزهد شديد وبصدق مأخوذ بحقيقة غائمة الاتجاهات. فالإنتربولوجي الشهير، ...الذي ولد في باريس 1908، يستأنس بغموض الحقيقة ولا يركن إلى وضوح العلم إلا قليلاَ. لهذا يبدو كتابه الغريب "مدارات حزينة" صورة مطابقة له، يعلم عن شعرية المعرفة، وعن محدودية العلم، الذي يفتح باباً ويغلق آخر، ويرى في الكون سؤالاً شاسعاً لا يستنفد أبداً.
"مداريات حزينة" كتاب مختص وبعيد عن الاختصاص في آن، يلمس فيه "الإثنولوجي" مادة غزيرة، ويقع فيه القارئ على ما يشير إلى الفنون والطبائع البشرية، ويلمح فيه من أراد كلاماً مشرقاً ينوس بين الشعر والتصوف. ولعل طبيعة الكتاب، التي تذعه في حقل الاختصاص وفي حقول أخرى، هو ما دفع بغير المختصين أن يحتفوا به حين ظهر عام 1955، حال جورج باتاي وموريس بلانشو وريمون آرون، وهو ما جعل أكاديمية غونكور تتمنى أن يكون الكتاب رواية، كي تتوجه له بجائزتها الشهيرة. ولأن في الكتاب اختصاصاً وما يفيض على الاختصاص، نظرت إليه الأوساط العلمية بتحفظ محسوب، مدافعة عن "العلم الخالص" المبرأ من روح الشعر وأطياف التأمل. ولم تكن تلك المواقف المختلفة إلا صورة عن كتاب لم يشأ أن يكون كغيره، انطوى على يوميات "إنسانية" قلقة متسائلة، وعلى معارف "إثنولوجية" جديدة، واستعاد عنواناً هجس به الانتربولوجي الشهير ذات مرة، ذلك أن شتراوس شرع في شبابه بكتابة رواية عنوانها "المدارس الحزينة" تخلى عنها بعد ثلاثين صفحة.
بنى شتراوس شخصية مسكونة بالمفارقة، تعيش زمنها وزمناً آخر، وتتحرّر من زمنها متوسلة أقاليم مهجورة وبعيدة، فهو دارس "الشعوب البدائية"، الذي يكره "الأسفار والاكتشافات"، ويرى في السفر الضروري بهجة قوامها الأسى، فتكرار البهجة تكرار للسفر الذي لا يطاق، وهو العالم الذي يقرأ الزمن الحديث بوثائق من أزمنة غابرة، فلا جسور مهدومة تماماً بين رواسب القبائل السائرة إلى الانقراض ومجتمعات باريس ونيويورك، ذلك أن غياب الجسور الإنسانية يمنع المعرفة المختلفة، الذي يتطير من اليقين والأحكام النهائية، ويضع الحدس الذي لا جدران له إلى جانب المعطيات العلمية وهو الباحث المعمر الذي يكثر من الحديث عن الغابر والمنقضي والمتلاشي، ويسأل "الإنسان العابر" أن يكون رحيماً في رحلته العارضة، وأن لا يتصرف بـ "أرضه" بسفاهة وغلظة، وضعت هذه الصفات، التي تقترب من الفرادة، في شخصية شتراوس تصورات إنسانية رحبة تقول بالتسامح والتعامل الحواري ونبذ التعصب، قبل أن تستقر في صيغة أخلاقية -نظرية عنوانها: الدفاع عن التعددية الثقافية.
يتحرر شتراوس من دعاوى العرق والجنس و"سلطة القوة" ويدافع عن التنوع الثقافي الإنساني وضرورة الحفاظ عليه، واستنباط الوسائل التي تمده بالتجدد والديمومة، وتصور كهذا ينكر، بداهة، معتقدات "المراتب البشرية" ويقول بثقافات إنسانية متساوية، تختلف ولا تتنافى، وتتباين ولا تتناكر، وتتحاور ولا يمحو بعضها بعضاً.نبذة الناشر: يعطي الكاتب درساً نموذجياً في معنى العلم وأخلاقية المعرفة, حيث الاكتشاف العلمي يتأمل زمنه, ويوقظ في العالم حلم التعرف على الأزمنة السحيقة. ولهذا, فإن الكاتب يرى في المجتمع البدائي موضوعاً رحباً للمعرفة, يطرح عليه أسئلة ويستولد منه أسئلته الخاصة به, متكئاً على مبدأ الاعتراف المتبادل, الذي يحرض الإنسان على التعلم من غيره وتعليمه في آن. ولعل هذا المبدأ يجعل الكاتب يؤمن بالتعددية الثقافية الإنسانية ويرى في النتعدد الثقافي مبتدأ للابداع والابتكار. وهو لا يفعل ذلك إلا بسبب إيمانه العميق بنسبية المعرفة, التي ترفض التعصب والإيمانية المغلقة وتؤكد الحضارة الإنسانية أثراً لجهد جماعي إنساني, يتناتج منذ زمن سحيق.
في هذا الكتاب يحاور الكاتب ثقافة مغايرة, ويحاور حدود المعرفة التي توقظ في الإنسان أكواناً غير مرئية وتضع الإنسان اللامحدود في مواجهة أكوان لا تنتهي. والكتاب نص مدهش ينطوي على معرفة متعددة الأبعاد ترضي عالم النفس واللغوي والأنثروبولوجي والشاعر والقارئ المتأمل الذي يرى في الأجزاء الصغيرة عوالم غامضة لا تخوم لها. إقرأ المزيد