تاريخ النشر: 01/01/1996
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:يطلق الكثيرون كلمة الصحة العقلية قاصدين بها الصحة النفسية، ولقد سادت كلمة "العقلية / Mental" نظراً لأن الإهتمام النفسيين بدأ على يد أطباء الأعصاب في كل من فرنسا وانجلترا وألمانيا والنمسا وغيرها، وكان المخ عندهم هو مركز الإهتمام وفسروا السلوك الشاذ في إطار اختلال الوظائف العقلية.
وقد كان من أسباب ...استخدام الكتابات الأولى لمصطلح الأمراض العقلية، أن الشيزوفرانيا أو جنون المراهقة وأمراض الذهان الناجمة عن تلف أنسجة المخ كانت أولى الأمراض التي تناولها الأطباء، وساعدت على تأكيد هذا المصطلح.
غير أن تبين الجوانب النفسية المؤثرة على الشخصية وبنائها، واكتشاف أساليب السلوك الغريبة الناشئة عن ذلك، كان لا بد وأن يلفت السيكولوجيين إلى تغيير المصطلح إلى "نفسية"، ولكنهم ساروا في تيار الكلمة الأولى "Mental" وهم يقصدون بذلك تلك الأمراض النفسية.
وعلى أي حال، فإنه نظراً لأن الإضطرابات السلوكية والجسمية الناجمة عن عوامل ترتبط بتلف في المخ والأعصاب، ونظراً لأن الصحة النفسية هي مجال متميز في المفهوم والمنهج والأهداف، وأساليب علاج المرضى النفسيين، هنا لا بد من: أولاً: فصل الأمراض العصبية والذهانية عن مجال الأمراض النفسية والإحتفاظ بالتسمية "الأمراض العقلية"، ثانياً: "الإستقرار على تمسية "الأمراض النفسية" لتشمل الإضطرابات الإنفعالية الناجمة عن مشكلات عدم التوافق والأمراض النفسجسمية والأمراض العصابية، وبتكفل طبيب "الأمراض العصبية النفسية / Psychiatry" بالأمراض العقلية، ويتكفل أخصائي "الصحة النفسية Psychological Health" بالأمراض النفسية.
وقد أدى الخلط في فهم دور كل من "الطبيب النفسي Psychiatrist" "المعالج النفسي Psychotherapist" إلى خلق مشكلة جوهرية قسمت المهتمين بالصحة النفسية والعقلية إلى معسكرين يحاول كل منهما أن يدّعي وصايته على الصحة النفسية؛ خاصة في مجالها العلاج.
ومهما يكن من أمر، وفيما يتعلق بالبحث العلمي لموضوع الصحة النفسية، فإن صحة الإنسان النفسية وتواقفه الشخصي تتطلب جهد الباحث، وإتساع وشمولية إطلاعه.
فقد فتحت النظريات ونتائج البحوث المختلفة في علوم النفس والتربية والإجتماع والإنثروبولوجيا والبيولوجيا والفيسيولوجيا وغيرها من فروع العلوم المرتبطة بها - فتحت الطريق لفهم الإنسان ولجوانب توافقه الشخصي في كل مرحلة من مراحل نموه.
هذا وقد لاحظ البعض بالفعل أن أغلب الكتب التي تتناول موضوع الصحة النفسية لها عددها فيما يتعلق بتقديم مدخل متكامل لمشكلة الصحة النفسية، وقد يكون من المهم بالنسبة للقارئ أن يتعرف على ما أنتجه الفكر في المجالات التي تمت الإشارة إليها آنفاً، ولكن من الأهم بالنسبة له أن يتعرف على العلاقة التطبيقية لهذه الخلفية المعرفية بمجالات الصحة النفسية.
من هذا المنطلق تأتي الدراسة في هذا الكتاب، والتي تمثل محاولة لفهم أرسخ لمعنى الصحة النفسية كحالة من حالات النفس، وكعلم يهدف إلى تحقيق أقصى النمو لتلاؤم الإنسان مع بيئته ورضائه عن هذا التلاؤم وتفاعله مع مقتضيات البيئة والمواقف التي تواجهه وفاعليته في مجتمعه محققاً بذلك السعادة لنفسه وللآخرين.
ويؤكد الباحث، من خلال دراسته هذه، أيضاً على أن الصحة النفسية كعلم له مجالات دراسية أربع هي: المجال البنائي، والمجال الوقائي، والمجال التشخيصي، والمجال العلاجي.
هذا وتدور موضوعات هذه الدراسة حول المجالين: الأول والثاني: 1- المجال البنائي، 2- والمجال الوقائي، وفي نطاق استعراض نظريات الشخصية حاول المؤلف وضع تصورٍ إسلامي لبنية الشخصية من وجهة النظر الدينية، ويخدم المنظور الديني للشخصية في الجانب العلاجي من علم الصحة النفسية؛ حيث يجد العلاج الديني.
كما يرى الباحث، مكاناً أشد وقعاً من غيره من أساليب العلاج النفسي في كثير من الأحيان، وأخيراً فإن الباحث، ومن منطلق اعتقاده بأن علم الصحة النفسية هو أقرب العلوم السلوكية مساساً بحياة الفرد اليومية، يأمل من القارئ أن يقرأ محتوى هذا الكتاب بذهن متفتح حتى يتحول العلم إلى سلوك، وتتحول النظرية إلى منهاج يكفل لكل فرد، ولمن يتعامل معهم الصحة النفسية. إقرأ المزيد